بحث في رجال الكشّي- الشيخ حسن عبدالله الهودار

بحث في رجال الكشّي

 

بقلم: سماحة الشيخ حسن عبدالله الهودارŽ

       

         خلاصة البحث:

 تحدث الكاتب بشأن رجال الكشي وتحقيق الكلام فيه فيه نقاط:  

         الأمر الأول: أن ّكتاب الكشي¤ لا وجود له في هذا اليوم.

        الأمر الثاني: أنّ الشيخ الطوسي¤ قام باختصار كتاب الكشي¤ في كتاب سمّاه >اختيار الرجال<، وهذا الإختصار كان بحذف أسماء بعض الرواة وكذلك المصنفات، وقد كان هذا الكتاب محلّ اهتمام الطائفة على مدى الأعصار.

        الأمر الثالث: أنّ هذا الكتاب لم يكن مرتّباً ولا مبوّباً فقام جمع من الأعلام„ بترتيبه وتبويبه.

        الأمر الرابع: أنّ الاختيار المتداول قد وقعت فيه النقيصة.

        الأمر الخامس: عدم إحراز وقوع الزيادة في الاختيار المتداول.

        الأمر السادس: اعتبار الاختيار المتداول لشواهد ستّة ذكرناها.   

 

يعتبر كتاب رجال الكشي من أهم وأشهر الكتب الرجالية عند الإمامية، وقد اعتمد عليه جملة من الرجاليين كالنجاشي والطوسي وابن طاووس والعلامة وغيرهم„، إلا أنّ المؤسف هو عدم وصول هذا الكتاب إلينا، وإنما الذي وصلنا منه هو كتاب الاختيار الذي اختصره الشيخ الطوسي¤ من رجال الكشي، ولأجل أهمية هذا الكتاب ولما له من القيمة العلمية والعملية في معرفة أحوال الكثير من الرواة، وتأثير ذلك في قبول الكثير من الروايات وعدمه، احببت البحث التحقيقي عن حال هذا الكتاب وما يرتبط به من المسائل، ولذا سيقع البحث في عدة نقاط:

النقطة الأولى: التعريف بالكشي

وهنا نشير لعدة أمور:

الأمر الأول: اسمه وكنيته

هو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، وكنيته أبو عمرو.

الأمر الثاني: موطنه

 ولد الكشي¤ في بلدة  كش بفتح الكاف وإعجام الشين المشددة بلدة معروفة من بلاد ماوراء النهر، والمراد ببلاد ماوراء النهر هي منطقة تاريخية وجزء من آسيا الوسطى تشمل أراضيها جمهورية أوزبكستان والجزء الجنوب الغربي من كازاخستان،  فنشأ الكشي¤ في تلك المدينة، وهي على مراحل من سمرقند، وسمرقند مدينة في أوزبكستان، وتعتبر كش كما قيل بلدة  عظيمة، ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ ذات نخيل وعيون، وقد خرج منها  كثير من علماء الشيعة.

الأمر الثالث: مولده ووفاته

بحسب المراجعة لم أجد تحديداً لسنة ولادته، وأما وفاته فقد ذكر بعض العامة  أنها سنة ٢٩٦، وقال آخرون أنها سنة ٣٤٠، والظاهر أنه من أعلام القرن الرابع وكان معاصراً للكليني¤، وكما يقول المحقق آغا بزرك الطهراني¤: “تلميذ العياشي محمد بن مسعود وشيخ جعفر بن قولويه وهارون بن موسى التلعكبري وكان في طبقة الكليني”.([1])

الأمر الرابع: مؤلفاته

لايعلم له مصنف إلا كتاب الرجال، وهذا ما ذكره الطوسي والنجاشي‡ في ترجمتهما له، إلا أنه جاء في >سماء المقال< ج١ ص٨٠ للمحقق الكلباسي بأن له مؤلفات غير الرجال، معتمداً في ذلك على ما ذكره النجاشي¤ في ترجمة الحسين بن اشكيب حيث قال النجاشي¤ ما نصّه: “قال الكشي في رجال أبي محمد: الحسين بن اشكيب المروزي المقيم بسمرقند وكش عالم متكلم مؤلف للكتب”([2])، ففهم أبو الهدى الكلباسي من قوله: “وكش عالم متكلم مؤلف للكتب” أنّ المقصود بذلك هو الكشي¤.

إلا أن ذلك غير تام، فإنه خلاف الظاهر، فإن الظاهر من هذه العبارة أنها من كلام الكشي¤ نفسه فيكون المقصود بها أن الحسين بن اشكيب قد أقام بسمرقند وكش.

ويؤيّد ذلك أن هذه العبارة نفسها قد نقلها الطوسي¤ في الفهرست ص ٣٩٨، والعلامة¤ في خلاصة الأقوال ص١١٥، وابن داود في رجاله ص٧٩، وهي واضحة في أن المقصود بها والمتصف بكونه مؤلفاً للكتب هو الحسين بن اشكيب، فراجع.

الأمر الخامس: مشايخه

له عدة مشايخ وقد أحصاهم المحدث النوري¤ في خاتمة المستدرك ج٣ ص ٢٩٥،  لكن لعلّ المؤكّد منهم:

  1. حمدويه بن نصير
  2. محمد بن سعيد الكشي
  3. محمد بن أبي عوف البخاري
  4. إبراهيم بن نصير الكشي
  5. جبرئيل بن أحمد الفاريابي
  6. نصر بن صباح البلخي
  7. علي بن محمد القتيبي
  8. محمد بن إسماعيل
  9. طاهر بن عيسى الوراق
  10. خلف بن حماد الكشي
  11. آدم بن محمد القلانسي
  12. أبو عبدالله جعفر بن محمد شيخ من جرجان عامي
  13. جعفر بن معروف
  14. محمد بن أحمد بن أبي عوف البخاري
  15. عبيد بن محمد النخعي الشافعي
  16. محمد بن الحسن البراثي الكشي
  17. عثمان بن حامد الكشي
  18. محمد بن نصير
  19. سعد بن جناح الكشي
  20. أبو سعيد محمد بن رشيد الهروي
  21. أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي
  22. أحمد بن محمد بن يعقوب البيهقي
  23. أبو علي أحمد بن علي بن كلثوم السرخي
  24. محمد بن قولويه

الأمر السادس: جلالته

يظهر من كلمات الأعلام„ أنّ الكشي¤ يعتبر من أجلاء وعيون الطائفة وإليك بعض كلماتهم:

1- النجاشي: ” محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي أبو عمرو كان ثقةً عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم له كتاب الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة أخبرنا أحمد بن علي بن نوح وغيره عن جعفر بن محمد عنه بكتابه”. ([3])

2- الطوسي: “محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي يكنى أبا عمرو ثقة بصير بالأخبار وبالرجال حسن الإعتقاد له كتاب الرجال أخبرنا به جماعة عن أبي محمد التلعكبري عن محمد بن عمر بن عبدالعزيز أبي عمرو الكشي”.([4])

وأما العامّة فمما قالوا في حقه:

1- إسماعيل البغدادي: “الكشي أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي من علماء الإمامية توفي حدود سنة ٢٩٦ صنف من الكتب الإختيارات من العلماء كتاب الرجال”([5])

2-  الزركلي: ” فقيه إمامي نسبته إلى كش من بلاد ماوراء النهر اشتهر بكتابه معرفة أخبار الرجال اقتصر به على بعض ما قيل فيهم أو روي عنهم وكان معاصراً للعياشي أخذ عنه وتخرج عليه في دراه بسمرقند”.([6])

3-  عمر كحالة: “محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمر فاضل توفي نحو سنة ٣٤٠ له كتاب الرجال والإختيارات من العلماء”.([7])

النقطة الثانية: التعريف بكتاب الكشي

اتّضح مما سبق في النقطة الأولى بأن للكشي¤ كتاباً في الرجال ولكن لم ينصّ النجاشي¤ على اسم هذا الكتاب في ترجمته للكشي¤ فقد قال: “له كتاب الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة”([8])، ومثله الطوسي¤: “له كتاب الرجال”([9])، وإن أشار الأخير إلى اسمه في بعض المواضع، كما سيتضح، وكيف كان فقد اختلف الأعلامª في اسم الكتاب على رأيين:

الرأي الأول: معرفة الرجال:

وهذا ما اختاره العلامة المجلسي¤ في البحار ج١ ص١٦،  والسيد بحر العلوم¤ في الفوائد الرجالية ج٣ ص٢٣١، وأبو الهدى الكلباسي¤ في سماء المقال ج١ ص٨٧، وغيرهم، وقد اعتمدوا في ذلك بحسب الظاهر على كلام الطوسي¤ في ترجمة أحمد بن داود حيث قال “ذكره الكشي في كتابه معرفة الرجال”.([10])

الرأي الثاني: معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقينq:

وهذا ما اختاره جماعة كالآغا بزرك الطهراني¤ في الذريعة ج١٠ ص١٤١، والسيد  الأمين¤ في أعيان الشيعة ج١٠ ص ٢٧، وغيرهما، حيث قالوا بأن اسم الكتاب هو معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقينq، والظاهر أن الأصل في هذا القول هو ابن شهراشوب¤ (المتوفى ٥٨٠) في كتابه معالم العلماء والذي هو تتمة لفهرست الطوسي¤ فقد قال في ترجمة الكشي: “له كتاب معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين عليهم السلام”.([11])

وعلى كل حال فسواءً كان اسم هذا الكتاب  معرفة الرجال أو معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين عليهم السلا فإنه لايوجد له في زمننا هذاعين ولا أثر، وهذا ماأكده بعض المحققين كالمحدث النوري¤ حيث قال: “وصرح جماعة من أئمة الفن أن الموجود المتداول من رجال الكشي من عصر العلامة إلى وقتنا هذا هو اختيار الشيخ وأما الأصل فذكر جماعة من المتتبعين أنهم لم يقفوا عليه”([12])، وهكذا المتتبع الخبير الآغا بزرك¤ يقول: “لا نعلم بوجود أصل الكتاب لكن الاختيار منه لشيخ الطائفة موجود مطبوع يعرف برجال الكشي”([13]) ، وكذلك أيضاً السيد الأمين¤: “والنسخة المطردة المعروفة برجال الكشي هي عين اختيار شيخ الطائفة وأما الأصل فلم نجد له أثراً” ([14])

ويظهر من كلام النجاشي¤ أن هذا الكتاب كان موجوداً عنده حيث نقل عنه بحسب التتبع في زهاء (١٥) مورداً  منها:

١- عثمان  بن عيسى: “ذكره الكشي في رجاله وذكر نصر بن الصباح قال كان له في يده مال- يعني الرضا عليه السلام- فمنعه فسخط عليه قال ثم تاب وبعث إليه بالمال”.([15])

٢- الحسين بن اشكيب: “ذكره أبو عمرو في كتابه كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام… قال الكشي هو القمي خادم القبر…. قال الكشي في رجال أبي محمد الحسين بن اشكيب المروزي المقيم بسمرقند وكش عالم متكلم مؤلف للكتب”.([16])

وهكذا نقل عنه الشيخ الطوسي¤ في الفهرست في خمسة مواضع، منها:

١- أحمد بن داود بن سعيد: “ذكره الكشي في كتابه في معرفة الرجال”.([17])

٢- داود بن أبي زيد: “وله كتب ذكرها الكشي وابن النديم في كتابيهما”.([18])

والظاهر من كلام العلامة الحلي¤ في خلاصة الأقوال في الفائدة العاشرة وصول الكتاب له حيث ذكر طريقه إلى كتاب الكشي¤ فقال: “وبالإسناد عن الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري رحمه الله  عن أبي عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي رحمه الله بكتابه”.([19])

كما أنه نقل عنه في مواطن عديدة، وفي بعضها يظهر منها أنه ينقل عن نفس الكتاب بالمباشرة مثلاً:

1- بشر بن طرخان النخاس: “روى الكشي في كتابه حديثاً في طريقه محمد بن عيسى أن أباعبدالله عليه السلام دعا له بكثرة المال والولد”.([20])

2- ترجمة خالد بن سعيد: “وفي كتاب الكشي قال حمدويه اسم أبي خالد القماط يزيد”.([21])

كما انه قد يظهر من بعض كلمات الشهيد الأول¤ كما في الذكرى ج٤ ص١٠٨، والشهيد الثاني¤ كما في رسائله ص٦٧، والمسالك ج ٨ ص ٦٦ وصول الكتاب إليهما، إلا أنه محلّ تأمّل.

والمتحصّل مما تقدّم هو: أنه كان للكشي¤ كتاب رجالي بإسم >معرفة الرجال< أو >معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقينq<، وقد كان هذا الكتاب موجوداً لدى الأعلام„ إلى زمان العلامة الحلي¤ أو الشهيدين©، إلا أنه قد انقرض بعد ذلك فلا وجود له في يومنا هذا.

النقطة الثالثة: علاقة الشيخ الطوسي بكتاب الكشي‡

من النقاط المهمة في تحقيق البحث معرفة العلاقة بين الشيخ الطوسي¤ وكتاب الكشي¤، فقد ذهب معظم علمائنا„ إلى أنّ الطوسي¤ قام بتصحيح كتاب الكشي¤ حتى حذف منه بعض المواضع، واختار البعض الآخر، ثم جعل ما اختاره في كتاب مستقل بعنوان اختيار الرجال أو اختيار معرفة الرجال، ويمكن البرهنة على ذلك بعدة شواهد اقتصر على الأهم منها، وهي ستّة:

        الشاهد الأول: اعتراف الشيخ الطوسي¤ عند ترجمته لنفسه في كتابه الفهرست  بأن من جملة كتبه  كتاب اختيار الرجال حيث قال عن نفسه: “وله كتاب اختيار الرجال…”.([22])

وقد يناقش في هذا الشاهد بدواً: بأن هذه العبارة في نفسها لاتدل على أن كتاب اختيار الرجال الذي للطوسي¤ قد انتزعه من كتاب الكشي¤، فلعله كتاب آخر لاربط له بكتاب الكشي¤ ولم يصلنا كبعض كتب الشيخ الطوسي¤.

هذا، ولكن سيتضح من خلال تجميع القرائن وضم بعضها للبعض الآخر اندفاع هذه المناقشة، وأن ما يقصده الشيخ¤ بكتاب الاختيار هو ما انتزعه من كتاب الكشي¤، وهو الواصل اليوم لنا.

        الشاهد الثاني: شهادة المترجمين للشيخ الطوسي¤ بأن له كتاباً بإسم اختيار الرجال وأقدم مترجم وقفت عليه ذكر ذلك هو ابن شهر آشوب المتوفى عام (٥٨٠ هـ) حيث  قال: “له كتاب…. اختيار الرجال “.([23])

وقد يناقش بدواً في هذا الشاهد: بنفس المناقشة السابقة، والجواب هو الجواب.

        الشاهد الثالث: توجد في الكتاب المتداول هذا اليوم بإسم رجال الكشي¤ مجموعة من القرائن التي تكشف عن أن الشيخ الطوسي¤ قام بتهذيب كتاب الكشي¤ وأن  كتاب الاختيار الموجود اليوم هو نفس ما قام الطوسي¤ بتهذيبه، ومن هذه القرائن:

١- أبو يحيى الجرجاني: “قال أبو عمرو: وأبو يحيى الجرجاني اسمه أحمد بن داود بن سعيد…. وسنذكر بعض مصنفاته فإنها ملاح  ذكرناها نحن في كتاب الفهرست ونقلناها من كتابه”.([24])

ووجه القرينية: هو أن المقصود بكتاب الفهرست هو كتاب الشيخ الطوسي¤ بقرينة ترجمته للجرجاني وذكره لمصنفاته، وهذا يكشف عن كون الكلام في هذه العبارة للشيخ الطوسي¤ وأن كتاب الاختيار له.

2- الفضل بن شاذان: “وقيل إن للفضل مائة وستين مصنفاً ذكرنا بعضها في كتاب الفهرست” ([25])

ووجه القرينية: كالسابق.

ولكن قد يناقش في هذا الشاهد بدواً: بأنه لايدل على كون كتاب الاختيار للطوسي¤ فلعل المقصود بالفهرست هو كتاب ابن النديم أو غيره، فلا يُحرز أن صاحب كتاب الاختيار هو الشيخ الطوسي¤ فلعله ابن النديم أو غيره ممن لديه كتاب اسمه الفهرست.

هذا، ولكن سيتّضح من خلال تجميع القرائن أن المقصود بكتاب الفهرست هو كتاب الشيخ الطوسي¤، وأنه هو صاحب كتاب الإختيار.

        الشاهد الرابع: شهادة السيد رضي الدين بن طاووس¤ المتوفى سنة ٦٦٤ في كتابه فرج المهموم بأن لجده الشيخ الطوسي¤ كتاب الاختيار من كتاب الكشي¤ حيث قال: “ورويت  في كتاب اختيار جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله من كتاب أبي عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي”.([26]) بل أنه نقل خطبة جده الطوسي وتصريحه باختصاره لكتاب الكشي حيث قال ابن طاووس¤: “فأما ماذكرنا عنه في خطبة اختياره لكتاب الكشي فهذا لفظ ماوجدناه أملى علينا الشيخ الجليل الموفق أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي أدام الله علوه وكان ابتداء إملائه يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة ست وخمسين وأربعمائة في المشهد الشريف المقدس الغروي على ساكنه السلام قال هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز واخترت مافيها”.([27])

وقد يناقش في هذا الشاهد: بأن هذه الشهادة حدسية.

لكنه واضح الدفع؛ فإنّ من المستبعد جداً أن يكون ابن طاووس قد اعتمد على الحدس في هذه الخطبة التي يبدو أنها شائعة عن الطوسيفي المسجد العلوي، مع أن أصالة الحس جارية في المقام.

        الشاهد الخامس: شهادة السيد أحمد بن طاووس سبط الطوسي¤ المتوفى سنة (٦٧٣ هـ) صاحب كتاب حل الإشكال في معرفة الرجال حيث قال: “وقد عزمت على أن أجمع في كتابي هذا أسماء الرجال المصنفين وغيرهم ممن قيل فيه مدح أو قدح وقد ألم بغير ذلك من كتب خمسة:كتاب الرجال لشيخنا أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه وكتاب فهرست المصنفين له  وكتاب اختيار الرجال من كتاب الكشي أبي عمرو محمد بن عبد العزيز له…”.([28])

وقد يناقش في هذا الشاهد: بنفس المناقشة السابقة أي الحدسية.

والجواب عنه: هو نفس الجواب السابق.

الشاهد السادس: ماذكره الآغا بزرك الطهراني¤ بأنه وقف على نسخة للكتاب اعتبرها أصح النسخ وأنفسها يعود أصلها لعلي بن حمزة بن محمد بن شهريار الخازن سبط الشيخ الطوسي¤ وقد فرغ من كتابتها سنة (٥٦٢ هـ) يظهر منها رجوع كتاب الاختيار للشيخ الطوسي¤، ولذا يقول الآقا بزرك¤ في هذا الشأن: “وأصح مارأيت النسخة التي اشتراها سيدنا العلامة الحسن صدر الدين من ورثة العلامة ميرزا يحيى بن ميرزا شفيع الأصفهاني وهي بخط الشيخ نجيب الدين تلميذ صاحب المعالم وشاركه أستاذه في كتابة بعض صفحاته وقد كتبها عن نسخة بخط الشهيد الأول المنقولة عن نسخة كان عليها تملك السيد أبي الفضائل أحمد بن طاوس وهي كانت بخط علي بن حمزة بن محمد بن شهريار الخازن وفرغ من كتابتها بالحلة سنة ٥٦٢”.([29])

وأصرح من ذلك ماقاله الآقا بزرك في مقدمة كتاب التبيان للشيخ الطوسي¤ حيث قال: “ولحمزة ولد عالم كامل هو الشيخ علي كتب بخطه في الحلة اختيار الرجال تأليف جده شيخ الطائفة في سنة ٥٦٢ وهي نسخة نفيسة جيدة كما أشرنا إليها في الذريعة”.([30])

ولكن قد يناقش: بأن مجرد وجود كتاب للشيخ الطوسي بإسم اختيار الرجال لايلازم كونه منتزعاً من كتاب الكشي.

وهذا كما ترى فإنه بعد ملاحظة مجموع القرائن يُعلم بأن المقصود بهذا الكتاب هو ما انتزعه من كتاب الكشي، فضلاً عن أنه لم يقل أحدٌ بأن للشيخ الطوسي كتاباً بهذا الإسم منتزعاً من غير كتاب الكشي.

والمتحصّل: أنّ أقوى شاهد هو الرابع والخامس و هو شهادة الأخوين الجليلين علي وأحمد ابني طاووس‡ سبطي الشيخ الطوسي¤، وكذلك الشاهد السادس، كما أنه من خلال ضم هذه الشواهد بعضها إلى بعض يحصل الإطمئنان بأن للشيخ الطوسي¤ كتاباً باسم >الإختيار< مختصر من “كتاب الكشي”.

وفي مقابل ذلك توجد شواهد عكسية أهمها:

        الشاهد الأول: أن النجاشي¤ المتوفى سنة(٤٥٠ هـ) ترجم الشيخ الطوسي¤ وعدّ كتبه ولم يذكر منها اختيار معرفة الرجال.

وجوابه: أن تأليف الطوسي¤ لكتاب الاختيار كان بعد وفاة النجاشي¤ ويشهد لذلك ما ذكره ابن طاووس بأنّ الطوسي¤ قد أملى الكتاب على تلاميذه  سنة (٤٥٦ هـ)، وذلك بعد وفاة النجاشي¤.

        الشاهد الثاني: أن كتاب الفهرست متقدّم على تأليف الاختيار المذكور فكيف يذكر الشيخ¤ في الفهرست أنّ كتاب الاختيار من جملة كتبه؟.

وجوابه: أن الشيخ الطوسي¤ أضاف ذلك بعد تأليفه كتاب الإختيار.

        الشاهد الثالث: أنه توجد في كتاب الاختيار أخطاء كثيرة لا يناسب صدورها من الشيخ الطوسي¤ وهذا يوجب التشكيك في صحة انتساب الكتاب إليه.

وجوابه: أولاً: أنه لا يُعلم كون هذه الأخطاء التي من قبيل التصحيف والتقديم والتأخير والتكرار هي من قبل الطوسي¤ نفسه، بل من المحتمل أن تكون من قبل النساخ.

وثانياً: على فرض كونها من الطوسي¤ فلا بُعد في ذلك مع الإلتفات إلى كثرة مشاغل الطوسي¤، ولأجل ذلك قيل بأنه كثيراً ما وقع منه السهو بالزيادة والنقصان في متون الأخبار لا سيما التهذيب حتى أنه ندر أن يوجد حديث يخلو من ذلك ولذا يقول المحدث البحراني¤: “فإن الشيخ المذكور وإن كان فضله أعظم من أن تحويه السطور إلا أنه لمزيد الإستعجال في التصنيف والحرص على كثرة التأليف وسعة الدائرة والإشتغال بالتدريس والفتوى والعلم ونحو ذلك قد وقع في هذه الأحوال الظاهرة لكل من أعطى النظر حقه في هذا المجال”.([31]) ويقول العلامة المجلسي¤: “واعلم أن كل ما وقع من الشيخ الطوسي من السهو والغفلة بإعتبار كثرة تصانيفه ومشاغله العظيمة فإنه كان مرجع فضلاء الزمان وسمعنا من المشايخ وحصل لنا الظن من التتبع أن فضلاء تلامذته الذين كانوا من المجتهدين يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الخاصة والعامة…. فلهذه المشاغل العظيمة يقع منه السهو كثيراً”.([32])

والنتيجة من جميع ما تقدم:  هو أن للشيخ الطوسي¤ كتاباً باسم >اختيار معرفة الرجال< منتزع من “كتاب الكشي”.

النقطة الرابعة: أسباب اختصار الشيخ لكتاب الكشي‡

من المهم معرفة الأسباب التي دعت الشيخ¤ لإختصار وتصحيح كتاب الكشي¤، وقد اختلف الأعلام„ في سبب ذلك إلى عدّة آراء:

          الرأي الأول: ماذهب له جملة من المحققين„ وهو أن كتاب الكشي¤ كان مشتملاً على رواة العامة والخاصة فهذبه الشيخ¤ ليجرد منه رواة العامة وهذا مايشير له المحدث النوري¤: “ويظهر سبب الإختصار على ماصرح به جماعة أن كتابه رحمه الله كان جامعاً للأخبار الواردة في مدح الرواة وذمهم من العامة والخاصة فجرده الشيخ للخاصة وأزال عنه رواتهم…”.([33])

وقد يلاحظ عليه:

أولا: بأنه لا شاهد على ذلك من كلام الطوسي¤ أو القريبين منه كإبني طاووس‡.

وثانيا: أن الكتاب المتداول اليوم المعروف بإسم اختيار معرفة الرجال فيه جملة وافرة من العامة مثل محمد بن إسحاق ومحمد بن المنكدر وعمرو بن خالد.

          الرأي الثاني: ما ذهب له آخرون„ بأن الشيخ¤ صحح الكتاب على وفق مبانيه الرجالية فحذف مالايتوافق مع رأيه، وهذا ما أشار له البعض كحسن الأمين حيث قال: “وأغلب الظن أن الشيخ.. يسقط أو يصحح مايجده…”.([34])

وقد يلاحظ عليه: أولاً: بأنه لايوجد عليه شاهد من كلام الطوسي¤.

وثانياً: بأن الطوسي¤ صرح في الفهرست بأن داود بن أبي زيد النيشابوري ثقة صادق وله كتب ذكرها الكشي وابن النديم في كتابيهما مع أنك لا تجد لداود النيشابوري ذكراً في كتاب الاختيار فهذا يعني أن الشيخ¤ حذفه من كتاب الاختيار مع أنه ثقة على رأي الطوسي¤، وهذا يدل على أن الطوسي¤ لم يعتمد في تصحيح كتاب الكشي على وفق مبانيه، فتأمل.

          الرأي الثالث: ماذهب له آخرون„ بأن كتاب الكشي¤ كان مشتملاً على أغلاط كثيرة فعمد الشيخ¤ لتصحيحه وهذا ماأشار له المحدث النوري أيضاً: “ويظهر من آخرين أن السبب ما أشار إليه النجاشي والعلامة في الخلاصة من أنه كان فيه أغلاط كثيرة فعمد الشيخ إلى تهذيبه وسماه بإختيار الرجال”.([35])

وقد يلاحظ عليه: بأنه لا تزال هناك أغلاط كثيرة في كتاب اختيار معرفة الرجال، إلا أن يقال بأن الأخطاء التي صححها الشيخ الطوسي¤ أخطاءً علميةً وهي غير الأخطاء الموجودة في كتاب الاختيار والتي مرجعها للنساخ، فلاحظ.

          الرأي الرابع: ما ذهب له بعض الأعلام المعاصرين„ في كتابه قبسات من علم الرجال ج٢ ص١٠٠ من أن اختصار الطوسي¤ كان بلحاظ حذف طبقات الرجال حيث إنّ الظاهر من خلال بعض القرائن هو اشتمال كتاب الكشي¤ على أسماء أصحاب الأئمةq بحسب ترتيب الطبقات، فحذف الشيخ¤ الأسماء المجردة عن الترجمة اكتفاءً بإيرادها في كتابه الرجالي، ومن جملة هذه القرائن على ذلك: ما ذكره النجاشي في “الحسن بن علي بن فضال”: لم يذكره أبو عمرو الكشي¤ في رجال أبي الحسن الأولo، وقال ذكره أبو عمرو في أصحاب الرضاo خاصة.([36])

كما أن هذا الإختصار كان بلحاظ حذف أسامي الكتب والمصنفات أيضاً حيث إن الظاهر هو اشتمال كتاب الكشي¤ على ذكر المصنفات لكن الشيخ الطوسي¤ قد حذفها اكتفاءً بما ذكره في كتابه الفهرست، ومما يشهد لذلك ما ذكره النجاشي¤ في ترجمة أبي يحيى الجرجاني: “قال الكشي: كان من أجل أصحاب الحديث ورزقه الله هذا الأمر وصنف في الرد على الحشوية تصنيفاً كثيراً فمنها كتاب خلاف عمر برواية.. الى آخر ما أورده من أسماء مصنفات الجرجاني”.([37])

كما أنه من الممكن أن يكون هذا الإختصار بلحاظ حذف بعض الروايات المكرّرة أو المتوافقة مضموناً. وهذا الرأي وجيه جداً.

والنتيجة: أنه من المحتمل أن يكون الإختصار لما ذُكر في الرأي الرابع، وقد يكون لمجموع ما ذكر في الرأي الثالث والرابع.

النقطة الخامسة: اغلاط كتاب الكشي

سبق أن نقلنا كلام النجاشي¤ بأن في كتاب الكشي أغلاطاً كثيرةً، وقد اختلفت الكلمات في مقصود النجاشي من هذه الأغلاط الكثيرة، وهنا اذكر ماوقعت عليه من الأقوال في هذا الشأن:

          القول الأول: ماذهب إليه جماعة كالمولى محمد تقي المجلسي¤ المتوفى (١٠٧٠ هـ) وهو أن المقصود بالأغلاط الكثيرة يعني الأخبار المتعارضة التي نقلها الكشي في كتابه

قال الفاضل المجلسي¤:”والظاهر أن المراد بالأغلاط الكثيرة الروايات المتعارضة”.([38])

ويلاحظ عليه: بأن هذا خلاف الظاهر جداً، فإن مجرد نقل الأخبار المتعارضة لايصح وصفه بالأغلاط فضلاً عن كونها كثيرة.

          القول الثاني: ماذهب له جمع من الأعلام„ بأنّ الأغلاط من المنتخبين لكتاب الكشي وليس من قبل الكشي، كالشيخ الطوسي¤ وغيره وهذا مااختاره عناية الله القهبائي¤ حيث قال: “يظهر بعد التصفح والتتبع التام في الكتاب أن الأغلاط ليس فيه بل إنما هي من قلم المنتخبين منه مثل الشيخ  قدس سره”.([39])

ويلاحظ عليه: أن شهادة النجاشي¤ بوجود أغلاط كثيرة متعلقة بنفس كتاب الكشي¤ لا ماانتخب منه كاختيار معرفة الرجال للطوسي¤، هذا ناهيك عما ذكرناه في الرأي الثالث من احتمال أن يكون الإختصار لأجل تصحيح الأغلاط المعنوية.

          القول الثالث: ماذهب له جماعة  كأبي الهدى الكلباسي¤ المتوفى (١٣٥٦ هـ)، والمحقق التستري¤ وهو أن المقصود بالأغلاط الكثيرة يعني الأخطاء التي تعم التصحيف ونقل الروايات في غير مواضعها والإشتباه في طبقة الرواة، ولذا قال المحقق التستري¤ بتصرف يسير: “وتصحيفاته أكثر من أن تحصى وإنما السالم منه معدود… وقل ماسلمت رواية من رواياته عن التصحيف بل وقع في كثير من عناوينه بل وقع فيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى وخلط طبقة بأخرى فخلط فيه أخبار أبي بصير ليث المرادي بأخبار أبي بصير الأسدي… وخلط الخبر الأول من عنوان عبدالله بن عباس بعنوان خزيمة قبله.. ونقل في محمد بن أبي زينب وهو أبو الخطاب ثلاثة وعشرين خبراً غير مرتبطة به… ونقل الحميري الذي من أصحاب العسكري في أصحاب الرضا وعد لوط بن يحيى في أصحاب علي بن أبي طالب مع أنه من أصحاب الباقر أو الصادق…”.([40])

وقال أبو الهدى الكلباسي¤: “الظاهر ماهو الظاهر من العبارة فإنه قد وقع فيه أغلاط كثيرة كما يظهر بعد التتبع والتأمل فيه ولقد أجاد بعض أصحابنا في جملة كلام له وأما الكشي فمن راجع كتابه وقف على أغلاطه الكثيرة الواضحة انتهى”.([41])

ويلاحظ عليه: بأن هذا القول ينطبق على اختيار معرفة الرجال المتداول في هذا العصر ولكن لايحرز انطباقه على كتاب الكشي¤ الذي لاوجود له  في زماننا هذا فلايصح حمل شهادة النجاشي¤ بوجود أغلاط كثيرة في كتاب الكشي¤ على هذه الأغلاط الموجودة في كتاب اختيار معرفة الرجال اليوم، فلاحظ.

          القول الرابع: ما ذهب له جماعة كالملا علي كنّي¤ المتوفى (١٣٠٦ هـ) بأن المقصود من الأغلاط الكثيرة ماوقع من قبل النساخ والكتاب لا من قبل الكشي ولا من قبل المنتخبين لكتابه كالطوسي¤ ولذا قال: “بعدما نشاهده من تصرفات الكتاب ربما أمكن أن يكونوا هم السبب في أغلاطه لتقدم زمانه على أكثر المصنفين لأنه معاصر الكليني”.([42])

أقول: هذا الإحتمال ممكن في نفسه ويمكن أن يستأنس له ببعض المؤيدات:

          المؤيد الأول: أن الطوسي¤ في ترجمته للكشي¤ لم يذكر وجود أغلاط في كتاب الكشي¤ بل وصف الكشي بالبصير في الأخبار والرجال، وهذا يدعم رجوع الأغلاط إلى النساخ.

          المؤيد الثاني: من المحتمل جداً أن النسخة التي وصلت بيد النجاشي لكتاب الكشي¤ كان فيها تصحيف أو أخطاء ترجع لنفس النساخ لا إلى الكشي¤ نفسه ويؤيد ذلك  قول النجاشي¤ نفسه بأن كتاب الكشي¤ كثير العلم فإن هذه العبارة لاتناسب كون الأغلاط الموجودة راجعة لنفس الكشي¤ بل إلى النساخ أقرب، فتأمل.

والنتيجة: أنّ القول الرابع هو الأقرب للصواب.

النقطة  السادسة: مراحل كتاب الإختيار

سبق وأن ذكرنا بأن كتاب الكشي¤ الأصلي لاوجود له في هذا الزمان وإنما الموجود منه هو اختيار الشيخ الطوسي¤، ولقد كان كتاب الاختيار محل اهتمام الطائفة، ولذلك مرّت على هذا الكتاب عدة مراحل وأطوار نذكر المهم منها:

المرحلة الأولى: الإملاء والتدوين

وهي المرحلة التي قام فيها الشيخ الطوسي¤ بإختصار كتاب الكشي¤ وإملاءه على تلاميذه في الحرم العلوي سنة (٤٥٦ هـ)، وقد قام جمع من تلامذة الشيخ الطوسي بتدوين ما أملاه عليهم، ولو فرضنا بأن الذين كانوا يحضرون درس الطوسي آنذاك أكثر من ٤٠٠ تلميذ كما قيل فإننا نستطيع القول بأنه سوف يكون هناك  ما لا يقل عن (١٠٠) مدوّن على الأقل، وهذا يعني وجود (١٠٠) مدوّنة أو نسخة باسم >اختيار الشيخ الطوسي¤<.

المرحلة الثانية: النسخ

وهي المرحلة التي قام فيها أعلام الطائفة باستنساخ كتاب الاختيار من قبل المدوّنين له، والعادة تقتضي ازدياد عدد النسخ وانتشارها فيقوى حينئذ احتمال وقوع التصحيف والزيادة والنقصان في أثناء ذلك من قبل الناسخين والكتاب، وهذا مايشير له بعض من الأعلام„: “والعجب أن كتاب اختيار الرجال أيضاً وهو المنتخب المنقح من ذلك الكتاب ولا شك في أنه أصلاً بريء من كثير من اشتباهات كتاب الكشي وأغلاطه هو الآن مصاب بتحريفات وتصحيفات واشتباهات كثيرة  وعلى حد قول العلامة الكلباسي مؤلف سماء المقال فإن هناك قرائن تشير إلى تعرض هذا الكتاب لتطاول يد الحدثان وأسقطت وحذفت منه مطالب بمرور الزمان … وواضح جداً أن هذا القبيل من الأخطاء ليس ممايشتبه على شخص كالكشي أو كالشيخ الطوسي أو أنها تصدر عنه ولا يرقى الظن بنسبتها إلى إلا المستنسخين والكتاب”.([43])

وإلى  هذه المرحلة يشير الآغا بزرك¤ حيث يقول بعد وجدانه لنسخ كثيرة مختلفة:

“وأصح مارأيت النسخة التي اشتراها سيدنا العلامة الحسن صدر الدين من ورثة العلامة يحيى بن ميرزا شفيع الأصفهاني وهي بخط الشيخ نجيب الدين تلميذ صاحب المعالم وشاركه أستاذه في كتابة بعض صفحاته وقد كتباها عن نسخة بخط الشهيد الأول المنقولة عن نسخة كان عليها تملك السيد أبي الفضائل أحمد بن طاووس وهي كانت بخط علي بن حمزة بن محمد بن شهريار الخادم وفرغ من كتابتها بالحلة سنة ٥٦٢ وكتب ميرزا يحيى المذكور بخطه مقدار صفحة في آخر النسخة في بيان خصوصيات الكتاب وهو دال على كمال فضله وتبحره”.([44])

المرحلة الثالثة: المزج بين الاختيار وغيره

وهذه المرحلة هي التي قام فيها ابن طاووس¤ بالدمج بين كتاب الاختيار والأصول الرجالية الأخرى في كتاب سماه حل الإشكال في معرفة الرجال وقد أولى عنايةً خاصةً بكتاب الاختيار من دون الأصول الأخرى ولذلك يقول: “واختص كتاب الاختيار من كتاب الكشي بنوعي عناء لم يحصلا في غيره لأنه غير منسوق على حروف المعجم فنسقته وغير ذلك من تحرير دبرته ثم القصد إلى تحقيق الأسانيد المتعلقة بالقدح في الرجال والمدح حسبما اتفق لي وما أعرف أن أحداً سبقني إلى هذا على مر الدهر وسالف العصر وقد يكون عذر من ترك أوضح من عذر من فعل ووجه عذري مانبهت عليه أن الكتاب المذكور ملتبس جداً وفي تدبيره على ماخطر لي بعد عن طعن عدو أو شك ولي أو طعن في ولي أو مدح لعدو وذلك مظنة الإستيناس في موضع التهمة والتهمة في موضع الإستيناس وبناء الأحكام وإهمالها على غير الوجه وهو ردم لباب رحمة وفتح لباب هلكة”.([45])

ثم قام من بعده الشيخ حسن صاحب المعالم¤ بانتزاع خصوص ما نقله ابن طاووس¤ عن كتاب الاختيار وسمّاه باسم >التحرير الطاووسي<، قال الشيخ حسن¤: “هذا تحرير كتاب الاختيار من كتاب أبي عمرو الكشي في الرجال انتزعته من كتاب السيد الجليل العلامة المحقق جمال الملة والدين أبي الفضائل أحمد بن طاوس الحسني قدس الله نفسه وطهر رمسه والباعث لي على ذلك أني لم أظفر لكتاب السيد رحمه الله بنسخة غير نسخة الأصل التي أغلبها بخط المصنف وقد أصابها تلف في أكثر المواضع بحيث صار نسخ الكتاب بكماله متعذراً ورأيت بعد التأمل أن المهم منه هو تحرير كتاب الاختيار….”.([46])

المرحلة الرابعة: الترتيب

وهي المرحلة التي قام فيها جماعة من الأعلام„ بترتيب كتاب الاختيار حيث إن النسخ التي كانت متداولةً  عندهم  لم تكن مبوبة ولا مرتبةً بحسب  الأسماء ولا بحسب الطبقات مما يعسر على الباحث تحصيل المورد الذي يطلبه فاستدعى ذلك قيام جمع من الأعلام„ بترتيب الكتاب ومن جملة ما أُلِّف في ذلك:

1->ترتيب الكشي< للسيد يوسف بن محمد بن محمد بن زين الدين الحسيني العاملي فرغ منه (٩٨١ هـ) رتبه على ترتيب طبقات أصحاب المعصومين من النبي والأئمة الطاهرين سلام الله عليهم و كان عند النوري نسخة منه فضاعت.

٢->ترتيب الكشي< للشيخ داود بن الحسن البحراني معاصر لصاحب الوسائل وصاحب الحدائق¤.

٣->ترتيب الكشي< للقهبائي وقد فرغ منه ضحوة الإثنين السابع عشر من محرم (١٠١١ هـ) وكان على ترتيب الحروف في الأسماء التي ذكرت تراجمهم في الكشي مستقلاً أو ذكرت في تراجم أخرى استطراداً وتوجد منه نسخة في خزانة كتب سيد حسن الصدر¤ ونسخة أخرى  في كربلاء موقوفة للشيخ عبد الحسين الطهراني.

٤->ترتيب رجال الكشي< للشيخ محمود بن حسام الدين المشرفي.

ويقول الآغا بزرك في هذا المضمار: “نسخ اختيار الشيخ كانت مختلفة بالزيادة والنقصان وكان غير مرتب أيضاً فرتبه جماعة كالسيد يوسف الحسيني الشامي والمولى عناية الله القهبائي والشيخ داود بن الحسن الجزائري”.([47])

المرحلة الخامسة: الشرح والتعليق

وهي المرحلة التي أسّسها المحقق الثالث المير محمد باقر الداماد¤ المتوفى ١٠٤٠ حيث قام بالشرح والتعليق على كتاب الاختيار وتعليقته موجودة.

المرحلة السادسة: التحقيق والتدقيق

وهي المرحلة المعاصرة حيث قام جمع من العلماء بتحقيق كتاب الاختيار والمقارنة بين نسخه المتعددة وبيان موارد الزيادة والنقصان ومواضع التصحيف ومن جملة من قام بتحقيق هذا الكتاب:

١- الشيخ حسن المصطفوي

٢- السيد مهدي الرجائي

والهدف من ذكر هذه المراحل هو: بيان مدى عناية واهتمام الطائفة بهذا الكتاب من زمان الشيخ الطوسي¤ وإلى اليوم لما له من أهمية في معرفة أحوال الرواة، و لما في ذلك من تأثير في قبول الرواية وردها. وإن من  جملة المسائل الهامة التي ترتبط بتحقيق هذا الكتاب مسألة أصحاب الإجماع فإنه لا مصدر لها إلا هذا الكتاب وقد رتب عليها بعض الأعلام„ آثاراً فقهيةً كبيرةً.

النقطة السابعة: حقيقة الاختيار المتداول اليوم

اتّضح مما سبق بأن للشيخ الطوسي¤ كتاباً بإسم اختيار الرجال ولكن المهم هو البحث في أن كتاب الاختيار المتداول في هذا اليوم هل  هو نفس اختيار الطوسي أو أنه كتاب اخر؟

وفي جواب ذلك  قد يقال: بأن كتاب الاختيار المتداول ليس هو اختيار الطوسي وذلك لأمور:

الأمر الأول: لا وجود في الكتاب المتداول اليوم للمقدمة التي نقلها ابن طاووس¤ عن جدّه الطوسي¤ في أول اختياره والتي يقر فيها الطوسي¤ بنسبة الكتاب له فقد جاء في  فرج المهموم للسيد رضي الدين علي بن طاووس في جملة كلام له: “ونحن نذكر ماروى عنه- يعني عن جده الشيخ الطوسي-  في أول اختياره عن خطه فهذا لفظ ماوجدناه: أملاه علينا الشيخ الجليل الموفق أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي أدام الله علوه وكان ابتداء إملائه يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة ست وخمسين وأربعمائة بالمشهد المقدس الشريف الغروي على ساكنه السلام فإن هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي واخترنا ما فيها”.([48]) والكتاب المتداول اليوم خال من هذه المقدمة أو مايدل على أن الكتاب هو اختصار الطوسي، بل إن أول مايبتدأ هذا الكتاب المتداول اليوم به هو الروايات السبع التي تشير لفضل رواة الحديث.

الأمر الثاني: توجد موارد كانت في كتاب الاختيار وهي محذوفة من الإختيارالمتداول في هذا العصر وإليك  شواهد أربعة على ذلك وإن وقعت على أكثر من ذلك:

        1- الشاهد الأول: جاء في المناقب لإبن شهرآشوب: “أبو جعفر الطوسي في اختيار الرجال عن أبي عبداللهo وعن سلمان الفارسي أنه لما استخرج أمير المؤمنينo خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر فقالت خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً بالحق لأن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي ولأصرخن إلى الله تعالى فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي قال سلمان فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها وقلت ياسيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا”.([49]) وهذا الخبر لا وجود له في الاختيار المتداول، فراجع.

        2- الشاهد الثاني: جاء في مناقب ابن شهرآشوب: “اختيار الرجال عن الطوسي والمسترشد عن ابن جرير بالإسناد عن علي بن زيد عن الزهري أيضاً قيل لسعيد بن المسيب لم تركت الصلاة على زين العابدين وقلت أصلي ركعتين في المسجد أحب إلي من أن أصلي على الرجل الصالح في البيت الصالح؟ فقال لأنه أخبرني عن أبيه عن جده عن النبي عن جبرئيل عن الله تعالى أنه قال ما من عبد من عبادي آمن بي وصدق بك وصلى في مسجدك ركعتين على خلاء من الناس إلا غفرت له ماتقدم من ذنبه وما تأخر فلم أر شيئاً أفضل منه وانثال الناس على جنازته…”([50])، وهذا الخبر لا وجود له في الاختيار المتداول، فلاحظ.

        3- الشاهد الثالث: ما جاء في مناقب ابن شهرآشوب: “وفي اختيار الرجال عن الطوسي أنه اجتمع أصحابنا على تصديق ستة نفر من فقهاء الكاظم والرضا ع وهم يونس بن عبدالرحمان وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبدالله بن المغيرة والحسن بن محبوب السراد وأحمد بن محمد بن أبي نصر”.([51])، وهذا الإجماع  غير موجود في الاختيار المتداول.

        4- الشاهد الرابع: ما نقله الشيخ الماحوزي¤ المتوفى ١١٢١ في كتابه الأربعين: “ونقل شيخنا الشهيد الثاني قدس الله روحه عن الشيخ أبي جعفر الطوسي في الاختيار أنه روي عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله عن أبي البختري قال حدثنا عبدالله بن الحسن بن الحسن أن بلالاً أبى أن يبايع أبا بكر وأن عمر أخذ بتلابيبه فقال له يابلال هذا جزاء أبي بكر منك أن أعتقك فلا تجيء تبايعه فقال إن كان أبو بكر أعتقني لله فليدعني له وإن كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا وأما بيعته فلا أبايع أحداً لم يستخلفه رسول الله صلى الله عليه واله وبيعة ابن عمه في أعناقنا إلى يوم القيامة فقال له عمر لا أبا لك لاتقم عندنا فارتحل إلى الشام وتوفي بدمشق بالطاعون ودفن بالباب الصغير”.([52])، وهذا الخبر لا وجود له في الاختيار المتداول.

        ولذلك ذهب المحدّث النوري¤ لوجود نقيصة في كتاب الاختيار المتداول اليوم قال: “واعلم أنه قد ظهر لنا من بعض القرائن أنه قد وقع في اختيار الشيخ أيضاً تصرف من بعض العلماء أوالنساخ بإسقاط بعض مافيه وأن الدائر في هذه الأعصار غير حاو لتمام مافي الاختيار ولم أر من تنبه لذلك ولاوحشة من هذه الدعوى بعد وجود القرائن”.([53])

الأمر الثالث: يمكن أن يقال بوجود موارد قد أضيفت للإختيار المتداول مع خلو اختيار الطوسي¤ منها وهذا مايتجلى بمراجعة التحرير الطاووسي حيث تجد هناك عدة موارد لم يذكرها ابن طاووس في كتابه >حلّ الإشكال< مع أنه قد تعهّد بنقل ماذكره جدّه الطوسي¤ في الاختيار وهذا يكشف عن كونها زيادات أضيفت للإختيار المتداول وانقل هنا أربعة شواهد وإن كانت أكثر من ذلك:

        ١- الشاهد الأول: الحسين بن علي الخواتيمي مذكور في الاختيار الموجود ولكن ابن طاووس¤ لم يذكره في كتابه حلّ الإشكال، حيث جاء في الإختيار: “قال نصر بن الصباح إن الحسين بن علي الخواتيمي كان غالياً ملعوناً وكان أدرك الرضا عليه السلام”.([54])

        2- الشاهد الثاني: عبدالله بن سبأ مذكور في الاختيار الموجود وتوجد (٥) روايات في ذمّه، ولكن ابن طاووس¤ لم يذكره في حل الإشكال، فمن جملة الروايات التي رواها في الإختيار: “حدثني محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبدالله قال حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وهو يحدث أصحابه  بحديث عبدالله بن سبأ وماادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال إنه لما ادعى ذلك فيه استتابه أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار”.([55])

        3-الشاهد الثالث: عبدالرحمان بن أبي ليلى مذكور في الاختيار الموجود ولكن ابن طاووس¤ لم يذكره، فقد جاء في  الإختيار: “روى يعقوب بن شيبة قال حدثنا خالد بن أبي يزيد العرني قال حدثنا ابن شهاب عن الأعمش قال رأيت عبدالرحمان بن أبي ليلى وقد ضربه الحجاج حتى أسود كتفاه ثم أقامه للناس على سب علي عليه السلام….”.([56])

        4- الشاهد الرابع: القاسم اليقطيني موجود في الاختيار المتداول وتوجد عدة روايات في ذمه ولكن ابن طاووس لم يذكره، فمّما رواه في الاختيار: “عن العسكري عليه السلام لعن الله القاسم اليقطيني”.([57])

وبعد ذلك نقول: من المستبعد جداً وجود هذه الموارد في كتاب الاختيار الذي كان عند ابن طاووس¤ وغفلته عن نقلها وهذا يكشف عن كونها إضافات وزيادات في الاختيار المتداول اليوم، فتأمّل جيداً.

النقطة الثامنة: اعتبار الاختيار المتداول

بقيت أمامنا أهمّ  نقطة في هذا البحث وهي هل يمكن الاعتماد على الاختيار المتداول اليوم أم لا؟ 

وفي مقام الجواب عن هذا السؤال قد يقال: بلزوم الاعتماد فضلاً عن الإمكان وذلك لعدّة أمور وشواهد:

          الأمر الأول: اشتهار الكتاب بين الأصحاب من زمان الطوسي¤ إلى هذا الزمان مع عنايتهم به و تعاهدهم على نسخه وتهذيبه وترتيبه جيلاً بعد جيل كما سبق بيانه مما يوجب الوثوق برجوع هذه النسخة المتداولة للشيخ الطوسي¤ وعدم كونها لشخص آخر.

          الأمر الثاني: التطابق الموجود في مواطن كثيرة قد تتجاوز المئة مورد بين النسخة المتداولة للإختيار في هذا اليوم والنسخ الأخرى التي كانت لدى جماعة من الأعلام  كما يظهر بمراجعة خلاصة الأقوال للعلامة الحلي ورجال ابن داود والتحرير الطاووسي لصاحب المعالم والبحار للعلامة المجلسيª، فهذا كلّه مما يوجب الوثوق بانتساب الكتاب المتداول للشيخ الطوسي¤.

          الأمر الثالث: مطابقة جمع من المحققين بين النسخة المتداولة للإختيار وغيرها من النسخ وبيان التطابق بينها إلا في موارد نادرة يوجب الوثوق برجوع الكتاب للطوسي¤ وممن قام بعملية التحقيق والمطابقة بين النسخ المحقق الثالث والمحدث النوري والآغا بزرك الطهرانيª وغيرهم.

          الأمر الرابع: مايوجد في النسخة المتداولة من إشارة  صاحب كتاب الاختيار في  بعض الموارد  لذكره مصنفات بعض الرواة في كتابه الفهرست فهذا شاهد على كون النسخة المتداولة ترجع للشيخ الطوسي¤ لأن له كتاب الفهرست وبالرجوع إلى كتاب الفهرست نجد إشارته  لهذه المصنفات ومن ذلك: 

١- أبو يحيى الجرجاني: “قال أبو عمرو: وأبو يحيى الجرجاني اسمه أحمد بن داود بن سعيد…. وسنذكر بعض مصنفاته فإنها ملاح  ذكرناها نحن في كتاب الفهرست ونقلناها من كتابه”.([58]) وهذا موجود في الفهرست.

2- الفضل بن شاذان: “وقيل إن للفضل مائة وستين مصنفاً ذكرنا بعضها في كتاب الفهرست”.([59]) وهذا موجود في الفهرست.

          الأمر الخامس: ملاحظة أسانيد الروايات وطبقات المشايخ المذكورين في الاختيار المتداول يوجب الوثوق بكونه اختيار الطوسي¤ من كتاب الكشي¤ فإن جميع المشايخ الذين يبتدأ بهم الحديث هم في طبقة مشايخ الكشي كما يظهر بالتتبع وقد ذكرنا في النقطة الأولى مشايخ الكشي، فراجع.

          الأمر السادس: عدم تصريح أحد من الأصحاب إطلاقاً  بوجود كتاب آخر بعنوان اختيار الرجال يرجع لشخص غير الطوسي¤ مما يساعد على تحصيل الإطمئنان برجوع هذا الاختيار المتداول للشيخ الطوسي¤.

النقطة التاسعة: إشكال وجواب

قد يُشكِل البعض  فيقول بأن مقتضى ما ذكرتموه في النقطة السابعة هو عدم ثبوت نسبة الاختيار المتداول للشيخ الطوسي¤ لوقوع الزيادة والنقيصة فيه ومقتضى ماذكرتموه في النقطة الثامنة هو اعتبار الاختيار المتداول وثبوت نسبته للشيخ الطوسي¤ فكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين؟

والجواب عن ذلك: بأنه لابد من البحث عن كلا الأمرين النقيصة والزيادة:

أما بالنسبة للنقيصة: فهي محرزة لما ذكرناه من الشواهد ولكنها غير ضارة في اعتبار الكتاب لأن النقيصة أمر طبيعي وقوعه في كل كتاب بسبب العوامل والظروف الزمانية والمكانية المختلفة ولذلك قل ما يسلم كتاب في تلك الأزمنة من النقيصة ولكن هذا لايلغي اعتبار ماهو الموجود من كتاب الاختيار فهذا نظير مالو حذف باب كامل من كتاب الكافي فهل يقول أحد بسقوط الباقي الموجود عن الإعتبار؟، وبذلك يتضح الجواب عن عدم وجود المقدمة في أول الاختيار الموجود والتي يقر فيها الطوسي¤ بنسبة كتاب الاختيار إليه.

وأما بالنسبة للزيادة: فأولاً: هي وإن كانت ضارةً ولكنها غير محرزة وذلك لأن الشواهد التي ذكرناها كالخواتيمي وعبدالله بن سبأ و القاسم اليقطيني يحتمل جداً أنها كانت موجودة في كتاب حل الإشكال ولكنها تلفت من تلك النسخة كما يشير إلى ذلك صاحب المعالم حيث يقول في مقدمة التحرير الطاووسي: “وحيث تعذر نسخ الكتاب آل أمر تلك الفوائد إلى الضياع مع أن أغلبها بتوفيق الله تعالى سليم من ذلك التلف والذاهب منها شيء يسير قليل الجدوى فرأيت الصواب في انتزاعه من باقي الكتاب وجمعه كتاباً مفرداً يليق أن يوسم ب التحرير الطاوسي لكتاب الاختيار من كتاب أبي عمرو الكشي”.([60])

ويقول في آخر الكتاب: “هذا آخر ما يتعلق بكتاب اختيار الكشي مما اشتمل عليه كتاب السيد قدس الله روحه وقد وفق الله سبحانه لإنتزاعه واستخراجه على ماأردناه ونبهنا على الوجه الباعث عليه في صدر الكتاب وبذلنا الوسع في تبعه فلم يفت منه إلا أسماء قليلة العدد والجدوى كانت ملحقة في حواشي الكتاب فلحقها التلف الذي أصاب النسخة وبقي منها بقايا أعربت عن مضمونها وصرفت عن الإهتمام لإثباتها”.([61])

وفي هذا دلالة واضحة على أن كتاب >حلّ الإشكال< قد وقع في بعضه التلف فيحتمل أن الخواتيمي وابن سبأ واليقطيني من القسم الذي تلف فلايصح بالتالي أن يستدل من خلال عدم ذكرهم في كتاب >حل الإشكال< على وقوع الزيادة في الاختيار المتداول

وثانياً: على فرض عدم ذكر ابن طاووس¤ لهذه الموارد في كتابه حل الإشكال فيحتمل وقوع النقيصة في نسخة الاختيار لدى ابن طاووس¤ وإذا دار الأمر بين الزيادة في نسختنا والنقيصة في نسخة ابن طاووس¤ فالجاري أصالة عدم الزيادة، فتأمّل.

وثالثاً: لو سلمنا بوقوع الزيادة في هذه الموارد في الاختيار المتداول اليوم  فغايته أن هذه الموارد تسقط عن الإعتبار لا أن الكتاب بكامله يلغى من الإعتبار فهذا نظير تفسير القمي فقد وقعت فيه الزيادة قطعاً ولكن ذلك لايلغي اعتبار ما هو من تفسير القمي.

تم بحمد الله وفضله الفراغ من البحث والتحقيق في  كتاب الكشي¤ وقد اتّضح لدينا أمور:

        الأمر الأول: أن ّكتاب الكشي¤ لا وجود له في هذا اليوم.

        الأمر الثاني: أنّ الشيخ الطوسي¤ قام باختصار كتاب الكشي¤ في كتاب سمّاه >اختيار الرجال<، وهذا الإختصار كان بحذف أسماء بعض الرواة وكذلك المصنفات، وقد كان هذا الكتاب محلّ اهتمام الطائفة على مدى الأعصار.

        الأمر الثالث: أنّ هذا الكتاب لم يكن مرتّباً ولا مبوّباً فقام جمع من الأعلام„ بترتيبه وتبويبه.

        الأمر الرابع: أنّ الاختيار المتداول قد وقعت فيه النقيصة.

        الأمر الخامس: عدم إحراز وقوع الزيادة في الاختيار المتداول.

        الأمر السادس: اعتبار الاختيار المتداول لشواهد ستّة ذكرناها.

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

 

* الفهرس:

النقطة الأولى: التعريف بالكشي. 1

الأمر الأول: اسمه وكنيته 1

الأمر الثاني: موطنه 1

الأمر الثالث: مولده ووفاته 1

الأمر الرابع: مؤلفاته 1

الأمر الخامس: مشايخه 2

الأمر السادس: جلالته 3

النقطة الثانية: التعريف بكتاب الكشي. 4

النقطة الثالثة: علاقة الشيخ الطوسي بكتاب الكشي‡. 6

النقطة الرابعة: أسباب اختصار الشيخ لكتاب الكشي‡. 9

النقطة الخامسة: اغلاط كتاب الكشي. 11

النقطة  السادسة: مراحل كتاب الإختيار. 13

المرحلة الأولى: الإملاء والتدوين. 13

المرحلة الثانية: النسخ. 13

المرحلة الثالثة: المزج بين الاختيار وغيره 14

المرحلة الرابعة: الترتيب. 14

المرحلة الخامسة: الشرح والتعليق. 15

المرحلة السادسة: التحقيق والتدقيق. 15

النقطة السابعة: حقيقة الاختيار المتداول اليوم 15

النقطة الثامنة: اعتبار الاختيار المتداول. 18

النقطة التاسعة: إشكال وجواب. 19

 

([1]) الذريعة ج٢١ ص ٢٦١.

([2]) رجال النجاشي، ص٤٥.

([3]) رجال النجاشي، ص ٣٧٢.

([4]) الفهرست ص٢١٧.

([5]) هدية العارفين ج٢ ص ٢٢.

([6]) الأعلام ج٦ ص ٣١١.

([7]) معجم المؤلّفين ج١١ ص ٨٥.

([8]) رجال النجاشي ص٣٧٢.

([9]) الفهرست ص٢١٧.

([10]) رجال الطوسي، ص٨١.

([11]) معالم العلماء، ص١٣٦.

([12]) خاتمة المستدرك ج٣ ص٢٨٦.

([13]) الذريعة ج٢١ ص ٢٦١.

([14]) أعيان الشيعةج ٩ ص ١٦٥.

([15]) رجال النجاشي ص٣٠٠.

([16]) رجال النجاشي ص٤٥.

([17]) الفهرست ص٨١.

([18]) الفهرست ص١٢٥.

([19]) خلاصة الأقوال ص ٤٤٥.

([20])  خلاصة الأقوال ص ٧٩.

([21]) خلاصة الأقوال  ص ١٣٧.

([22]) الفهرست ص ٢٤٢.

([23]) معالم العلماء ص ١٤٩.

([24]) اختيار معرفة الرجال ج٢ ص ٨١٤.

([25]) اختيار معرفة الرجال ج٢ ص ٨٢٢.

([26]) فرج المهموم ص ١٣٠.

([27]) فرج المهموم ص١٣٠.

([28]) التحرير الطاووسي ص٥.

([29]) الذريعة ج١ ص ٣٦٦.

([30]) التبيان ج١ ص ٥٦.

([31]) لؤلؤة البحرين ص ٢٩٧.

([32]) روضة المتقين ج١٤ ص ٤٠٥.

([33]) خاتمة المستدرك ج٣ ص ٢٨٦.

([34]) مستدركات أعيان الشيعة ج١ ص ١٩٥.

([35]) خاتمة المستدرك ج٣ ص ٢٨٦.

([36]) رجال النجاشي؛ ص٣٤، ٣٦.

([37]) رجال النجاشي ص٤٥٤.

([38]) روضة المتقين ج١٤ ص ٤٤٥.

([39]) مجمع الرجال ج٦ ص١١.

([40]) قاموس الرجال ج١ ص ٤٢.

([41]) سماء المقال في علم الرجال ج١ ص ٨١.

([42]) توضيح المقال ص٢٩٨.

([43]) مستدركات أعيان الشيعة ج١ ص ١٩٤.

([44]) الذريعة ج١ ص٣٦٦.

([45]) التحرير الطاووسي؛ ص ٥.

([46]) التحرير الطاوسي ص 3.

([47]) الذريعة ج١٠ ص ١٤١.

([48]) فرج المهموم ص١٣٠.

([49]) المناقب (ابن شهر آشوب)؛ ج٣ ص ١١٨.

([50]) المصدر نفسه؛ ج٣ ص ٢٧٧.

([51]) المصدر نفسه؛ ج٣ ص ٤٣٨.

([52]) كتاب الأربعين ص٢٥٧.

([53]) خاتمة المستدرك ج٣ ص ٢٩١.

([54]) اختيار معرفة الرجال؛ ج١ ص٣٢٣.

([55]) المصدر نفسه؛ ج١ ص٣٢٣.

([56]) المصدر نفسه؛ ج١ ص ٣١٨.

([57]) المصدر نفسه؛ ج٢ ص٨٠٤.

([58]) المصدر نفسه؛ ج٢ ص ٨١٤.

([59]) المصدر نفسه؛ ج٢ ص ٨٢٢.

([60]) التحرير الطاووسي ص٤.

([61]) التحرير الطاووسي ص٦٦٤.



التعليقات

إرسال تعليقاتكم واقتراحاتكم

أسمك الكريم:

بريدك الإلكتروني:

رسالتك: