حكم الهجرة والأسفار في الشريعة المقدّسة -الشیخ محمّد مهدي بيضون

 

حكم الهجرة والأسفار
في الشريعة المقدّسة

 

 

الطالب: محمّد مهدي بيضون

 

 

 

محتويات البحث

محتويات البحث 2

الخلاصة 3

الهجرة والسفر في اللغة 4

تاريخ الهجرة 6

القسم الأوّل: الأسفار الواجبة 8

أوّلاً: السفر لطلب العلم وللتبليغ والهداية 8

ثانياً: السفر من البلاد التي لا يتمكّن المسلم من إقامة شعائر دينه فيها 12

ثالثاً: السفر الواجب بيمين ونحوه 17

رابعاً: السفر للإتيان بالواجبات كالحجّ 18

القسم الثاني: الأسفار المحرّمة 20

أوّلاً: التعرّب بعد الهجرة 20

ثانياً: أسفار المعصية 25

القسم الثالث: الأسفار المستحبّة 29

القسم الرابع: الأسفار المكروهة 32

القسم الخامس: الأسفار المباحة 34

الخاتمة 35

النتائج 35

المصادر 37

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخلاصة

كلّ فعل من أفعال الإنسان في هذه الحياة الدنيا تحت نظر الله تبارك وتعالى ورقابته، وفي الآخرة سيحاسب على أفعاله إمّا ثواباً وإمّا عقاباً، والشارع العادل الحكيم لم يترك واقعة ولا حادثة صغيرة أو كبيرة إلا وجعل لها حكماً وقانوناً شرعيّاً بعد أن جعل الإنسان مخيّراً ومسؤولاً عن جميع تصرّفاته وأفعاله، وقد جاء عن الإمام الصادق × ـ في حديث ـ قال : >إن عندنا الجامعة ، قلت : وما الجامعة؟ قال : صحيفة فيها كلّ حلالٍ وحرامٍ ، وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش <[1].

فقد لاحظ الشارع المقدّس حركات الإنسان المكلّف وأسفاره وهجرته من مكان إلى مكان، وجعل فيها الواجب والحرام وغير ذلك من الأحكام لما فيها من مصلحة أو مفسدةٍ ليس على الصعيد الشخصي فحسب، بل على الصعيد العائلي بل والاجتماعي أيضاً.

 سيتمّ التعرّض في هذا البحث المختصر إلى أقسام السفر والهجرة في الشريعة الإسلاميّة من حيث الحكم الشرعي التكليفي، فهي بحسب الأصل تنقسم إلى خمسة أقسام بعدد أقسام الأحكام التكليفيّة. والهدف الأساس استقراء أقسام الأسفار بحسب الحكم الأوّلي، وإلا فمع عروض الاضطرار أو الإكراه يتغيّر الحكم الأولي إلى حكم ثانوي وسيتمّ الإشارة إلى بعضها.

لذا سيتمّ التعرّض لبعض مصاديق هذه الأقسام تباعاً، مع عرض بعض الروايات والأدلّة فيها بما يسع المقام، فمن الأسفار الواجبة سفراً واجباً بالوجوب الكفائي كالتبليغ والجهاد، وبالوجوب العيني كالهجرة من بلاد الكفر، وبالوجوب المقدّمي كالسفر للإتيان بالواجبات كالحج، وما يكون واجباً بإلزام المكلّف لنفسه كالواجب باليمين وبالنذر والعهد، ومن الأسفار المحرمة سفر المعصية، وسفر التعرّب بعد الهجرة، ومن الأسفار المستحبة سفر زيارة أهل البيت ^ وأهمّها زيارة الامام الحسين × وزيارة الإمام الرضا × وبعض الأسفار التي تستحب من حيث زمان وقوعها، ومن الأسفار المكروهة بأزمنة مختلفة كالسفر يوم الجمعة بعد طلوع الفجر إلى حين الزوال، السفر من بداية شهر رمضان إلى يوم الثالث والعشرين منه، والسفر يوم الإثنين، والسفر والقمر في برج العقرب، والسفر البحري خصوصاً للتجارة، ومن الأسفار المباحة سفر السياحة والترفيه، والسفر البرّي للتجارة، والسفر للصيد لتأمين قوت عياله أو التجارة وغيرها. ثمّ يتمّ عرض بعض الاستنتاجات حول كلّ قسم منها.

 

الكلمات المفتاحيّة: وهي ثماني كلمات: السفر، الهجرة، الإقامة، الحكم التكليفي، التعرّب بعد الهجرة، الهجرة من بلاد الكفر، سفر المعصية، بلاد الغرب.

 

الهجرة والسفر في اللغة

الهجرة والسفر كلاهما يفيدان الانتقال من مكان إلى مكان، إلا أنّ السفر أعمّ مطلقاً من الهجرة، فالهجرة هي الانقطاع من مكان إلى مكان آخر، وهي من حيث المبدأ والأساس كالسفر تفيد انتقالاً وقطعاً للمسافة، لكنّ الهجرة تفيد الإقامة الدائمة والطويلة في البلد المقصد، بل والانقطاع عن البلد الأصلي بخلاف السفر فهو يفيد مجرّد الانتقال وقطع المسافة، ولا يحتاج معه إلى إقامة، وقد ذكر ذلك علماء اللغة في كتبهم:

فقال الجوهري في الصحّاح: (الهجر: ضد الوصل… والمهاجرة من أرض إلى أرض: ترك الأولى للثانية…)[2]. بينما في السفر قال: (السَّفَرُ: قطعُ المسافة، و الجمع الأَسْفَارُ.)[3]

وذكر الفيومي في المصباح المنير: (و ( الهِجْرَةُ ) بِالْكَسْرِ مُفَارَقَةُ بَلَدٍ إِلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً للهِ فَهِىَ ( الْهِجْرَةُ ) الشَّرْعِيَّةُ)[4]. وفي السفر قال: (وَالاسْمُ ( السَّفَرُ ) بِفَتْحَتَيْنِ وهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ يُقَالُ ذلِكَ إِذَا خَرَجَ لِلارْتِحَالِ أَوْ لِقَصْدِ مَوْضِعٍ فَوْقَ مَسَافَةِ العَدْوَى؛ لأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُسَمُّونَ مَسَافَةَ العَدْوى سَفَراً..)[5]

وجدير بالذكر أنّ الفقهاء قد اصطلحوا في كتبهم الفقهيّة أنّ السفر هو مقابل الإقامة، ورتّبوا على ذلك أحكام القصر والتمام في الصلاة والإفطار في الصوم، وتوجد في بعض  روايات أهل البيت ^ التعبير عن المهاجر بأنّه هو المسلم أو الذي يدخل إلى الإسلام، فقد ورد عن الإمام أبي جعفر × أنّه قال :”… ومن دخل في الإسلام طوعاً فهو مهاجر”[6].

ومحلّ الكلام هو الأعمّ، فيشمل السفر والهجرة معاً، لذا ستكون النظرة الأوّليّة في أصل الانتقال والسفر وحكمه الشرعي، ثم ستكون النظرة اللاحقة فيما يلزم من هذا السفر والانتقال من تبعات ومنها الإقامة في البلد المسافَر إليه وأثرها على المكلّف، حيث سيترتّب أحكام شرعيّة على ذلك أيضاً.

 

 

تاريخ الهجرة

الهجرة – بمعنى الانتقال من مكان إلى مكان – متأصّلة ومتجذّرة في الإنسان منذ أن خُلق وسكن في هذه المعمورة حبّاً للإستطلاع الذي هو أمرٌ فطري وبحثاً عن الطعام والماء وبحثاً عن الأمن والراحة. فالهجرة بالنسبة لجميع شعوب العالم أمرٌ ليس بغريب وليس بعجيب، لكن تتفاوت نسبة المهاجرين من قومٍ إلى قومٍ ومن ظروفٍ إلى ظروفٍ. وكان ديدن الشعوب العربية الهجرة والانتقال من مكان إلى مكان فأكثرهم قبائلٌ رحّلٌ وأصحاب بادية أعرابٌ لا يستقرّون في مكان واحد، بل ينتقلون على مدار السنة من مكان إلى مكان، إمّا غزاةً وإمّا لإيجاد المناخ والمكان المناسبين، وإمّا لتأمين لوازم الحياة من ماء وطعام وأمان وراحة.

والهجرة في الإسلام بدأت منذ بداية الدعوة إلى الإسلام، ولم تكن أسبابها الأسباب القبليّة، بل أسباب أصعب من ذلك كالابتعاد عن الإضطهاد والتعذيب الذي كان يمارسه أعداء الدين بحق الداخلين في هذا الدين الجديد. فهاجر النبيّ الأكرم ’ من بلده الأمّ مكّة المكرّمة التي نشأ وترعرع فيها إلى الطائف وبعدها إلى المدينة وهاجر أصحابه إلى المدينة المنوّرة أيضاً، فسمّوا بالمهاجرين، كما سُمّي أهل المدينة بالأنصار فهم الذين نصروا النبيّ ’ هناك في المدينة المنوّرة، وقد أرّخ المسلمون تاريخهم بهذه الهجرة المباركة، فصار عندنا التقويم الهجري القمري.

    بعد هجرة النبيّ الأكرم ’ إلى المدينة المنوّرة وبعد الإستقبال الجميل والترحيب والنصرة له من قِبل أهلها – الأنصار – آنذاك، استقرّ النبيّ الأكرم ’ فيها وأسّس المسجد وآخى بين المهاجرين والأنصار وبذلك كانت المدينة المنوّرة أوّل بلاد المسلمين وموطنهم الآمن الذي يعلو فيه صوت الأذان ويجهر بالإسلام دون أيّ تخوفٍ ويكفي للمقيمين فيها وجود بيت الوحي والعصمة بيت النبيّ الأكرم ’ وأهل بيته ^ بينهم.

ثمّ صارت الهجرة واجبة – في صدر الإسلام – إلى موطن الرسول ’ وهو المدينة آنذاك من أجل تلقّي الأحكام الدينيّة وتعلّمها، وكان يحرم الإقامة في بلاد الكفر والشرك إذا كان مانعاً عن إقامة شعائر الإسلام؛ ومنه قوله تعالى: { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[7].

 

وقد ذكر الشيخ الطوسي + في المبسوط أقساماً للهجرة وأوضح الواجب والمستحبّ والمحرّم فيها، وهذا نصّه:

” ولمّا نزل قوله تعالى { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا }[8] فأوجب الهجرة. وكان الناس على ثلاثة أضرب:

منهم من يستحب له ولا يجب عليه، ومنهم من لا يستحب له ولا يجب عليه. ومنهم من يجب عليه. فالذي يستحب لهم ولا يجب‌ عليهم من أسلم بين ظهراني المشركين وله قوة بأهله وعشيرته ويقدر على إظهار دينه ويكون آمنا على نفسه مثل العباس بن عبد المطلب وعثمان كان يستحب له أن يهاجر لئلّا يكثر سواد المشركين، ولا يلزمه لأنّه قادر على إظهار دينه.

وأمّا الذي لا يجب ولا يستحب له فهو أن يكون ضعيفا لا يقدر على الهجرة، فإنه يقيم إلى أن يتمكن ويقدر.

و أما الذي تلزمه الهجرة وتجب عليه من كان قادراً على الهجرة ولا يأمن على نفسه من المقام بين الكفار، ولا يتمكن من إظهار دينه بينهم، فيلزمه أن يهاجر لقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}[9] فدلّ هذا على وجوب الهجرة على المستضعف الذي لا يقدر على إظهار دينه، ودليله أن من لم يكن مستضعفا لا يلزمه ثم استثنى من لم يقدر فقال { إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ }[10].

والهجرة باقية أبداً ما دام الشرك قائماً، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها،

وما رُوي من قوله صلى الله عليه وآله لا هجرة بعد الفتح (…) معناه لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، وقيل: المراد لا هجرة بعد الفتح من مكة؛ لأنها صارت دار الإسلام ” انتهى.[11]

 

القسم الأوّل: الأسفار الواجبة

فرض الله تعالى أنواعاً من السفر لغرض الهداية وتبليغ الدين الرسالي والحفاظ على المستوى الإيماني في الفرد والعائلة، وقد جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك، وأوضحها ما اصطلح عليه بآية النفر في علم الأصول. سيتمّ التعرّض هنا لأربعة أفراد من هذه الأسفار الواجبة وهي:

ويقع الكلام فيها تباعاً.

 

أوّلاً: السفر لطلب العلم وللتبليغ والهداية

حثّ الشارع المقدّس منذ بدايات الدعوة الإسلاميّة على هذا النوع من السفر، وجعله واجباً بالوجوب الكفائي؛ لما فيه من رفع الجهل وهدايةً الناس في سبيل تقوية إيمانهم بما فيه من عقائد وأحكام شرعيّة وغيرها، وقد قال تعالى في محكم كتابه:  { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[12]، ودلالتها واضحة في مطلوبيّة النفر والسفر لبعض الأفراد من أجل التفقّه في الدين وتعلّم أحكامه، وليس ذلك لعنوانه وموضوعه بما هو تعلّم للمسافر والمتعلّم، بل من أجل الإنذار والهداية ورفع الجهل عند العودة إلى الوطن وإلى المجتمع الذي فارقهم منه.

ولا بأس بالإشارة إلى أنّ علماء الأصول قد تعارفوا على ذكر هذه الآية والاصطلاح عليها بآية النفر، والاستدلال بها على حجّية خبر الواحد أو خبر الثقة بأنّها -كما ذكر السيّد الشهيد + – تدل على مطلوبية التحذر عند الانذار بقرينة وقوع الحذر موقع الترجى بدخول لعل عليه ، وجعله غاية للانذار الواجب، ومقتضى الاطلاق كون التحذر واجبا عند الانذار ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ، وهذا يكشف عن حجية إخبار المنذر[13]، ومناقشاتهم فيها كثيرة يمكن ملاحظتها في الكتب الأصوليّة[14].

أمّا ما يهمّنا في المقام هو الأمر الفقهي والحكم الشرعي المستنبَط منها في هكذا نوع من السفر، فالفقهاء رحمهم الله وحفظ الله الباقين أشاروا إلى هذا النوع من الأسفار في كتبهم الفقهيّة بأنّها من الأسفار أو الهجرات الواجبة بالوجوب الكفائي، وهذا بالحكم الأوّلي، إلا أنّها قد تتعيّن على بعض الأفراد مع عروض عنوان ثانوي – بناءً على انقلاب الوجوب الكفائي إلى العيني في بعض الموارد -، كما لو كانت القابلية والإمكانيّة العقلية والجسديّة وغيرها في التصدّي لهذا التكليف الإلهي ولهذا المنصب العظيم منحصرة في شخص معيّن، وبالتالي تصير في حقّه واجباً عينياً، وكذلك الحال في سائر الصناعات كالزراعة والتجارة والخبازة والنجارة وغيرها، فهي على كونها واجبة بالوجوب الكفائي لما فيها من حفظ للنظام ولمعيشة الناس، إلا أنّها قد تتعيّن في شخص أو أشخاص معيّنين.

وقد ذكر فخر المحققين + في إيضاح الفوائد الآية مستدلاً بعدم معذوريّة جاهل الحكم في مورد معيّن فقال:

قوله تعالى { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } يقتضي وجوب علم الأحكام بالأدلة على الكفاية وقوله تعالى { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[15] أوجب التعلم بالتقليد فلا يعذر.[16]

والعلاّمة الحلّي ذكر في مقدّمة كتابه الفقهي (منتهى المطلب) في إحدى مقدّمات الكتاب وجوب العلم كفايةً فقال:

المقدمة الخامسة: في أن تحصيل هذا العلم واجب يدل عليه المعقول والمنقول
أما المعقول فهو أن معرفة التكليف واجب، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ولا يتم إلا بتحصيل هذا العلم قطعا وما لا يتم إلا به يكون واجبا فيكون تحصيل هذا العلم واجبا.

وأما المنقول فقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
المقدمة السادسة: في أن تحصيل هذا العلم واجب على الكفاية، ويدل عليه ما تقدم من القرآن فإنه دل على وجوب التفقه على الطائفة من كل فرقة ولو كان واجبا على الأعيان لكان واجباً على كل فرقة؛ ولأنّ الأصل عدم الوجوب، والدليل إنما يتضمن بالوجوب على الكفاية؛ ولأنّ الوجوب على الأعيان ضرر عظيم و هو منفي اتفاقاً[17].

 

وقد أشار السيّد العلامة + في تفسيره الميزان إلى أنّ سياق الآية يدلّ على أنّ المراد بالنفر للجميع هو النفر للجهاد، وقد أمر الله تعالى البعض بالسفر؛ لأجل التفقّه وعدم السفر للجهاد مع غيرهم، حيث قال:

السياق يدل على أن المراد بقوله: «لينفروا كافة» لينفروا و ليخرجوا إلى الجهاد جميعاً، و قوله: «فرقة منهم» الضمير للمؤمنين الذين ليس لهم أن ينفروا كافة، و لازمه أن يكون النفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم.

فالآية تنهى مؤمني سائر البلاد غير مدينة الرسول أن ينفروا إلى الجهاد كافة، بل يحضضهم أن ينفر طائفة منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتفقه في الدين و ينفر إلى الجهاد غيرهم.

و الأنسب بهذا المعنى أن يكون الضمير في قوله «رجعوا» للطائفة المتفقهين، و في قوله: «إليهم» لقومهم، و المراد إذا رجع هؤلاء المتفقهون إلى قومهم، و يمكن العكس بأن يكون المعنى: إذا رجع قومهم من الجهاد إلى هؤلاء الطائفة بعد تفقههم و رجوعهم إلى أوطانهم.

و معنى الآية لا يجوز لمؤمني البلاد أن يخرجوا إلى الجهاد جميعا، فهلا نفر و خرج إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طائفة من كل فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه و الفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم و لينذروا بنشر معارف الدين و ذكر آثار المخالفة لأصوله و فروعه قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلهم يحذرون و يتقون.[18]

 

وحُكْم الهداية والإنذار بعد التفقّه والتعلّم جاء في العديد من الروايات والآيات من باب وجوب تعليم الجاهل، وقد استفاد الفقهاء من آية النفر وروايات أخر قاعدة فقهيّة باسم (قاعدة الإرشاد) أي وجوب إرشاد العالم للجاهل وتعليمه الأحكام الدينيّة، ويعبّرون عنها (بوجوب إعلام الجاهل على العالم)، فهذه الآية لا يقتصر فيها على استفادة الوجوب على المتفقّه لأبناء وطنه وقومه فحسب، بل استفاد منها الفقهاء هذه القاعدة على إطلاقها لتشمل وجوب تعليم الجاهل على العالم.

ذكر السيد المصطفوي في قواعده الفقهيّة مشتشهداً بكلام استاذه السيّد الخوئي +:

دلّت [آية النفر] على وجوب تعلم الأحكام لغاية الإنذار والإرشاد بالنسبة إلى القوم الذين لا يعلمون، فيجب إرشاد الجاهل على العالم بحكم الاية الكريمة. ومن المعلوم، أن الآية تكون في مقام بيان غائية العمل، أي الإنذار غاية للتفقّه، فتفيد وجوب الارشاد قطعاً، كما قال سيدنا الاستاذ: أما الأحكام الكلية الإلهية فلا ريب في وجوب إعلام الجاهل بها، لوجوب تبليغ الأحكام الشرعية على الناس جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، وقد دلت عليه آية النفر، والروايات الواردة في بذل العلم وتعليمه وتعلمه.[19]

 

كما وذكر الشيخ الأعظم الأنصاري + في كتابه المكاسب:

وجب ذلك (أي إعلام الجاهل) فيما إذا كان الجهل بالحكم، لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف، ليستمر التكليف إلى آخر الأبد بتبليغ الشاهد الغائب، فالعالم في الحقيقة مبلغ عن الله، ليتم الحجّة على الجاهل ويتحقق فيه قابلية الإطاعة والمعصية.[20]

ويتّضح بذلك أنّ وظيفة العالم هي التبليغ عن الله وتحقيق قابليّة الطاعة والمعصية عند المكلّفين نظير دور الأنبياء والأولياء، ويصبح وجوب تعليم الجاهل وإرشاده مُنصبّاً عليهم بالدرجة الأولى سواءً أكان التبليغ في وطن العالم المبلّغ أم خارجه.

 

وقد جاء في كتبنا الحديثيّة العديد من الروايات التي تدلّ على هذا الوجوب كفايةً، وفيها مدح من الشارع المقدّس للقيام بهذه المهمّة الرساليّة المباركة والحثّ عليها من قبيل روايات نصيحة المؤمن، كما في روايات باب وجوب نصيحة المؤمن في وسائل الشيعة، رواية عيسى بن منصور عن أبي عبد الله ×: قال: >يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه<[21]، وقريب منها صحيحة معاوية بن وهب أيضاً، وغيرها.

وموثقة السكوني عن الإمام الصادق ×: قال رسول الله ’: >إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه<[22].

كذلك رُوِيَ عَنْ حَمَّادٍ السَّمَنْدَرِيِّ أنَّهُ قَالَ:

>قُلْتُ لأبِي عبدالله جَعْفَرِ بْنِ محمّد ×: إِنِّي أَدْخُلُ بِلادَ الشِّرْكِ وَ إِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَقُولُونَ إِنْ مِتَّ ثَمَّ حُشِرْتَ مَعَهُمْ؟!
قَالَ: فَقَالَ لِي: “يَا حَمَّادُ، إِذَا كُنْتَ ثَمَّ تَذْكُرُ أَمْرَنَا وَ تَدْعُو إِلَيْهِ”؟
قَالَ، قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: “فَإِذَا كُنْتَ فِي هَذِهِ الْمُدُنِ مُدُنِ الإسلام تَذْكُرُ أَمْرَنَا وَ تَدْعُو إِلَيْهِ”؟
قَالَ، قُلْتُ: لا.
فَقَالَ لِي: “إِنَّكَ إِنْ تَمُتْ ثَمَّ تُحْشَرْ أُمَّةً وَحْدَكَ، وَ يَسْعَى نُورُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ<[23].

وهذا النوع من السفر – كما هو واضح – هو سفر ممدوح ومحبوب عند المولى تبارك وتعالى، ولا يصدق عليه عنوان التعرّب بعد الهجرة في الأسفار المحرّمة، لأنّ الغاية منه هو تبليغ الرسالة ونشرها وهداية الناس ممّا يكون كمالاً للمبلّغ وازدياداً في تديّنه وهدايته وقرباً منه تعالى.

 

ثانياً: السفر من البلاد التي لا يتمكّن المسلم من إقامة شعائر دينه فيها

منذ بدء الدعوة الإسلاميّة، صارت الإقامة في بلاد الكفر والشرك للمسلمين وللداخلين في الإسلام حديثاً – عند عدم تمكّنهم من إقامة شعائر الإسلام – أمراً محرّماً، وأوجب الله تعالى عليهم الهجرة والسفر إلى البلاد التي يتمكّنون فيها من إقامة الشعائر الإسلاميّة، وكان وقتها أمكن الأماكن وأهمّها موطن الرسول ’ بعد هجرته وهو المدينة آنذاك، وكان العائد منها إلى بلاد الشرك مع حصول النقص في دينه يعدّ متعرّباً وتكون عودته سفراً محرّماً -كما سيتمّ الإشارة إليه في الأسفار المحرّمة – .

فالذي يكون في بلاد الشرك سواء سافر إليها أو ولد وترعرع فيها، وغير ذلك من أسباب الإقامة هناك، فوجد أنّه لا يمكنه ممارسة نشاطه الديني والقيام بواجباته الدينيّة، يتعيّن عليه حكم وجوب الهجرة

من بلاد الكفر والعودة أو التوجّه  إلى بلاد الإسلام والإقامة فيها؛ لفرض إمكان قيامه بواجباته الدينيّة وإقامة شعائر الإسلام فيها. وقد جاء عن رسول الله ’: ” مَن فرَّ بدينه من أرضٍ إلى أرضٍ وإن كان شبراً من الأرض استوجبت له الجنّة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيّه محمّد صلى الله عليهما وآلهما”[24].  

من أبرز ما استدلّ به الفقهاء – رحم الله الماضين وحفظ الباقين – على الحكم المذكور هو قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}[25] ، ففي هذه الآية توبيخ للذين يموتون وهم ظالموا أنفسهم، والظلم مراتب عديدة أقواها الشرك بالله تعالى، ومن سياق الآية فالظلم هو بمعنى ترك الهجرة الواجبة عليهم والبقاء في بلادهم مستضعفين لا يتمكّنون من إقامة شعائر الإسلام، وهذا التوبيخ لهم لعدم هجرتهم وترك مكان إقامتهم وعدم الانتقال إلى مكان آخر يمكن لهم القيام بشعائر الإسلام، وقد جعل الله تعالى مأواهم جهنّم، وهذا فيه دلالة على سوء عاقبتهم مع رضاهم بهذه الحال وعدم هجرتهم.

وقد ذكر السيّد العلامة الطباطبائي + في تفسيره الميزان في هذه الآية ما يلي:

(كان سؤال الملائكة { فِيمَ كُنتُمْ } سؤالاً عن الحال الذي كانوا يعيشون فيه من الدين، و لم يكن هؤلاء المسئولون على حال يعتد به من جهة الدين فأجابوا بوضع السبب موضع المسبب و هو أنهم كانوا يعيشون في أرض لا يتمكنون فيها من التلبس بالدين؛ لكون أهل الأرض مشركين أقوياء، فاستضعفوهم، فحالوا بينهم و بين الأخذ بشرائع الدين و العمل بها)[26].

ولا يخفى أنّ وجوب الانتقال والهجرة ليس على إطلاقهما، بل يكون الوجوب على المستطيعين والقادرين عليه، لذلك استثنى تبارك وتعالى من وجوب الهجرة والانتقال المستضعفين الذين ليس لهم وسيلة وحيلة للمهاجرة والخروج من هذه الأرض في الآيتين اللتين تليان هذه الآية وهما قوله تعالى: { إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا }[27] .

وقد استدلّ الأعلام بهذه الآية وغيرها[28] على وجوب الهجرة، ليس الهجرة بما هي هجرة كما هو واضح، بل الهجرة إلى البلاد التي يتمكّن فيها من القيام بشعائر الإسلام، فقد ذكر ذلك الشيخ الطّوسي + في كتابه المبسوط في فقه الإماميّة –كما تقدّم[29] – بعد أن عدّ أقسام الهجرة وذكر من جملتها الهجرة الواجبة مستدلاً بالآية الكريمة، فلاحظ.

وقد ذكر الفقهاء أنّ  المدار والمناط في وجوب الهجرة من تلك البلاد هو عدم تمكّن المسلم من إقامة وإظهار شعائر الإسلام – بل وعدم تمكّنه من إقامة وإظهار شعائر الإيمان أيضاً، كما نسب إلى الشهيد الأوّل + – ، ومن الواضح أنّ عدم التمكّن من إظهار شعائر الإسلام – كما سيأتي معناه – يلزم منه حصول النقص في دين المسلم الذي هو أحد معايير الهجرة المحرّمة في التعرّب بعد الهجرة. فالمسلم إذا وجد نفسه في بلاد الكفر، سواءً سافر بنفسه أو كان صغيراً وكبر، أو غير ذلك من الأسباب، ثم علم أنّه لا يمكنه ممارسة نشاطه الديني والقيام بواجباته الدينيّة، يتعيّن عليه حكم وجوب الهجرة من بلاد الكفر والعودة إلى بلاد الإسلام.

اتفقت كلمات الأعلام في حكم وجوب الهجرة هذه من البلاد التي لا يتمكّن فيها من إظهار شعائر الإسلام – وهو القدر المتيقّن – ويكون وجوب الهجرة إلى بلاد يتمكّن فيها من القيام بذلك، لكن نسب الشهيد الثاني + والمحقّق الكركي + إلى الفقيه الشهيد الأوّل + حرمة الإقامة في البلاد التي لا يتمكّن المسلم من إظهار شعائر الإيمان، فضلاً عن شعائر الإسلام، فقال الشهيد الثاني + في المسالك: (وألحق الشهيد [الأوّل +] – فيما نقل عنه – ببلاد الشرك بلاد الخلاف التي لا يتمكن فيها المؤمن من إقامة شعار الايمان، فيجب عليه الهجرة منها – مع إمكان انتقاله – إلى بلد يحصل فيه إقامة الشعار)[30]، وقد استدلّ بعض الأعلام للشهيد الأوّل + على ذلك بصحيحة محمّد بن مسلم عن الإمام أَبِي عبدالله × قَالَ : ” سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَجْنَبَ فِي سَفَرٍ ، وَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ الثَّلْجَ ، أَوْ مَاءً جَامِداً؟ فَقَالَ : ” هُوَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرُورَةِ يَتَيَمَّمُ ، وَلا أَرى أَنْ يَعُودَ إِلى هذِهِ الأرْضِ الَّتِي تُوبِقُ دِينَهُ “[31]، والاستدلال بذيل الرواية، حيث كره الإمام × لهذا الرجل العودة إلى الأرض التي توبق دينه، وبالتالي فيها ضعف دينه وعدم التمكّن من إقامة أحكامه الأوّليّة في الشريعة الإسلاميّة.

لكن لو تتبّعنا كتب الشهيد الأوّل + في الدروس والذكرى واللمعة لوجدنا عبارته غير مقيّدة بالتمكّن من إقامة شعائر الإيمان[32]، وهذا قوله + في الدروس: (ويحرم المقام في بلد الشرك لمن لا يتمكن من إظهار شعائر الإسلام)[33]، لكن المحقّق الكركي + عندما نسب هذا القول إلى الشهيد الأوّل + استحسن كلامه بشمولها لعدم التمكّن من إظهار شعائر الإيمان، وجعل تلك الهجرة عن بلاد الخلاف واجبة في زمن ظهور الإمام × وارتفاع التقيّة، أمّا حال غيبته × فالحكم غير ظاهرٍ، فقال ما نصّه:

( وهو حسن [أي قول الشهيد الأول +]، لكن الظاهر أنّ هذا إنما يكون حيث يكون الامام × موجوداً، و ترتفع التقيّة بالكلية، أما مع غيبته و بقاء التقيّة فهذا الحكم غير ظاهر، لأن جميع البلاد لا تظهر فيها شعائر الإسلام، و لا يكون إنفاذها إلا بالمساترة و إن تفاوتت في ذلك)[34].

 

وعلى أي حال، فما معنى عدم التمكّن من إقامة شعائر الإسلام؟

الشعائر جمع شَعيرة أو شِعار وشِعارة، وهي كلُّ ما جُعل عَلَماً لطاعة اللّٰه تعالى[35]، فهي العلامة[36] لكلّ دين أو مذهب أو طائفة، وأبرز مصاديقها هي التي وردت في القرآن الكريم وهي شعائر الحج ومناسكه وأعلامه[37]. ونجد ذلك في مجتمعاتنا بشكل واضح في الشركات والمؤسسات والأحزاب والدول، حيث يتّخذون عادةً شعاراً أو أكثر يحمل هويتها ويرمز إلى أهمّ أهدافها وقِيَمها ويميّزها عن غيرها. والشعائر في الإسلام على قسمين: شعائر الإسلام وشعائر الإيمان.

أمّا شعائر الإسلام، فهي إظهار ما يختصّ بالإسلام من الفرائض وبعض السنن التي جعلها الشارع من شعائره كالصلاة والأذان والصوم وأداء الحج والخمس في غنائم الحرب ونحوها، وأمّا شعائر الإيمان، فهي إظهار ما يختصّ بالمذهب ويميّزه عن بقيّة المذاهب الإسلاميّة كالشهادة بالولاية للإمام عليّ × في الأذان والجهر بالبسملة في الصلاة والمسح على الرجلين في الوضوء، والخمس في غنائم الحرب وغيرها من أرباح المكاسب والمتاجر، وإحياء ذكرى عاشوراء ويوم الغدير ونحوها. والتمكّن من إظهارها هو بمعنى عدم المعارضة والممانعة في ذلك المكان من قيامه بالواجبات والمندوبات وترك المحرّمات والمكروهات، بل وقال البعض بأنّ المطلوب إمكان القيام بذلك على نحو التجاهر وهو معنى الإظهار. فقد قال صاحب الجواهر +:

(ثم إن الظاهر كون المراد بالتمكن من إظهار شعار الإسلام الذي يسقط معه وجوب الهجرة هو عدم المعارضة والأذية من العمل على ما يقتضيه دينه في واجب أو ندب، فلو تمكن من بعض دون بعض وجبت خصوصاً إذا كان المتروك مثل الصوم والصلاة والحج ونحوها مما هو من أعظم الشعائر، بل الظاهر إرادة التجاهر بما يقتضيه الإسلام، فلا يكفي في عدم وجوبها الإتيان بها متخفياً)[38].

     والتعبير بشعائر الإسلام يمكن شموله على إطلاقه لشعائر الإيمان؛ لكونها من أهم مصاديقه عند أعلام المذهب، أو لكون الإسلام الحقيقي هو الإسلام الأصيل الذي علّمنا إياه أهل البيت ^ حيث ورثوه وأخذوه وتلقّوه من أصله رسول الله ’ ومنذ الأساس كانت شعائر الإسلام هي نفسها شعائر الإيمان ولا فرق بينهما، لكن الظروف والأحداث التي طرأت على الأمّة وبسبب حكام الجور ابتدعت بعض الأمور وصارت من شعائر الإسلام وحرفت الأمّة عن مسيرها المستقيم.

    والمتحصّل: أنّ هذا الوجوب يتحقّق موضوعه بالقدر المتيقّن مع وجود المسلم في بلد الشرك ولم يتمكّن من إقامة شعائر دينه، ومع التعميم المتقدّم يكفي في تحقق موضوعه وجوده في بلاد الخلاف فضلاً عن بلاد الشرك مع عدم التمكّن من إقامة شعائر مذهبه الحقّ فضلاً عن شعائر دينه.

وممّا ينبغي الإشارة إليه وجود الفرق بين وجوب الهجرة من البلاد التي لا يتمكّن من إقامة شعائر الإسلام فيها وحرمة التعرب بعد الهجرة:

فلا ينبغي الالتباس بين هذا الحكم بالوجوب وبين حكم الحرمة في التعرّب بعد الهجرة، حيث يلاحظ في كثير من الأسئلة الشرعية ادخال الموضوعين في سؤال واحد واعتبار موضوعهما موضوعاً واحداً، لكن من خلال ما تقدّم وما سيأتي في حرمة السفر والتعرب بعد الهجرة يتّضح الفرق بينهما، فالمكلّف قبل سفره وهجرته يدرس ويفحص ليتحقّق من موضوع التعرّب بعد الهجرة، فإذا أحرز أنّ سفره هذا سيكون سبباً لنقص دينه ودين عياله يكون قد حقّق موضوع التعرّب بعد الهجرة فيحرم عليه هذا السفر، وفي المقابل لو فرض أنّه عصى وسافر أو أنّ حسابه كان مخطئاً أو أنّه نشأ ووجد نفسه في بلاد الشرك، فينظر في نفسه وينظر هل في بقائه هناك يمكنه القيام بواجباته الدينيّة وشعائر الإسلام، بل وشعائر الإيمان أو لا؟ فإذا أحرز عدم التمكّن من ذلك يتحقّق موضوع حكم وجوب الهجرة من بلاد الكفر والعودة إلى بلاد يتمكّن من إقامة شعائر الإسلام فيها، ومع عدم إحراز ذلك لا تجب عليه هذه الهجرة، وسيتّضح أيضاً وجود ارتباط وثيق بين الحكمين المذكورين.

 

ثالثاً: السفر الواجب بيمين ونحوه

هذا النوع من السفر يعتبر من الأسفار التي أوجبها المكلّف على نفسه، لذلك يمكن اعتبارها أسفاراً واجبة، لكن بالعَرَض وليس بالذات، أي هي ليست واجبة بالذات من قبل الشارع المقدّس، بل من إلزام المكلّف لنفسه بما هو سائغٌ ومرخّص لدى الشارع. نعم، متعلّق النذر أو اليمين أو العهد يمكن أن يكون أمراً واجباً بالذات أيضاً، فيضاف إلى إلزامه من قبل الشارع إلزاماً من قبل المكلّف أيضاً. ويكون هذا السفر واجباً بالوجوب العيني على المكلّف نفسه.

بناءً على هذا الإلزام باليمين أو غيره، يمكن للمكلّف أن يحلف أو ينذر أو يعاهد الله تعالى على السفر لزيارة الإمام الحسين × بنحو مطلق أو بشرط شيءٍ كشرط النجاح في الجامعة أو بشرط تيسير أمره بالزواج من امرأة صالحة. كما يمكنه أيضاً الحلف أو النذر أو المعاهدة على السفر للحجّ المستحبّ أو الواجب، وعلى السفر للجهاد المستحب أو الواجب الكفائي، أو على السفر لترك الحرام المسبّب عن بقائه في البلد الكافر مثلاً وغيرها من الأيمان والعهود والنذور. وفي كلّ هذه الأمثلة يصبح السفر فيه أمراً واجباً – بالعَرَض – لأنّه تعلّق بعهدٍ وإلزام أجاز الشارع الإلزام به.

وقد ذكر الفقهاء في أبحاثهم الفقهيّة وفي الرسائل العمليّة أنّه يشترط ويعتبر في متعلّق النذر أو اليمين أو العهد أن لا يكون أمراً مرجوحاً ديناً ودنياً، فيشمل بوضوح فعل الواجب والمستحب وترك الحرام والمكروه، كما يشمل الفعل المباح الذي لا يكون مرجوحاً ديناً أو دنياً، بمعنى أنّه ينعقد في المتساوي الطرفين وينعقد في غير المتساوي الطرفين في فعل الطرف الراجح منه، وفي ترك الطرف المرجوح منه.

ذكر السيّد الإمام الخميني + في رسالته العمليّة في كتاب اليمين:

مسألة 10 – لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ أو بترك حرام أو مكروه، وفي عدم انعقادها لو تعلّقت بفعل حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحبّ. وأمّا المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع: فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائيّة الدنيويّة أو العكس، فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح، وعدم انعقادها لو تعلّقت بطرفه المرجوح، ولوساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضاً، فهل تنعقد إن تعلّقت به فعلاً أو تركاً؟ قولان، أشهرهما وأحوطهما أوّلهما، بل لا يخلو من قوّة.[39]

وذكر السيّد الخوئي + في منهاج الصالحين في كتاب اليمين:

مسألة 1544: … و إنما ينعقد على الواجب أو المندوب أو المباح مع الأولوية أو ترك الحرام أو ترك المكروه أو ترك المباح مع الأولوية، ولو تساوى متعلق اليمين و عدمه في الدين و الدنيا، فالأظهر وجوب العمل بمقتضى اليمين. [40]

وقد ذكر الفقهاء شروط انعقاد اليمين والعهد والنذر في كتبهم الفقهيّة، وما يترتّب على ذلك من كفارة في حال الحنث – والعياذ بالله، يمكن للمتتبع مراجعتها[41].

 

رابعاً: السفر للإتيان بالواجبات كالحجّ

هذا النوع من السفر يمكن تسميته بالسفر المقدّمي، أي بنحو المقدّمة للإتيان بواجب. فالمكلّف إذا وجب عليه حكم في السفر كصلة الرّحم، أو الجهاد، أو طلب الرزق أو الحجّ، لا يمكن امتثال ذلك إلا من خلال اقدامه على السفر وعلى مقدّمات السفر، وهذا يحكم به العقل بكلّ بساطةٍ ووضوح على القاعدة المعروفة: >وجوب شيء يستلزم وجوب مقدّمته عقلاً<. أمّا الكلام في كونه سفراً واجباً شرعاً بحدّ ذاته فضلاً عن حكم العقل بوجوبه عقلاً فهو محلّ نقاش بين الأعلام قديماً وحديثاً، ولبّ النزاع بينهم في تحقيق الملازمة العقليّة بين وجوب الشيء شرعاً ووجوب مقدّمته شرعاً بعد الفراغ عن وجوبها عقلاً، فهل يرى العقل ذلك؟!

وقد تعرّض الفقهاء إلى ذلك في كتبهم الأصوليّة في باب إثبات الوجوب الغيري أو الوجوب المقدّمي وذكروا في بحوثهم تفسيرات متعدّدة له، فبين من يرى كفاية وجوبه عقلاً لا شرعاً، فلا يرى وجوباً غيرياً شرعيّاً في قبال الوجوب النفسي كالصلاة والحجّ وغيرها، وليس فيه ثواب ولا عليه عقاب، وإنّما الثواب والعقاب على الواجب النفسي المستتبع له، كما ذهب إليه السيّد الخوئي[42] + والسيد الشهيد الصدر[43] +، وغيرهم، وبين من يرى الوجوب المقدّمي بمعنى ترشّح الوجوب من الواجب النفسي إلى الواجب المقدّمي فيكون واجباً في قبال الوجوب النفسي، لكن وجوباً غيريّاً فيه ثوابٌ وعقاب، كما في الواجب النفسي، وقد ذهب إليه المحقّق الآخوند الخراساني[44] + والشيخ الأعظم[45] + وآخرون.

بناءً على ما تقدّم، وعلى القول بالواجب الغيري، يمكن إدخال هذا السفر للإتيان بالواجب والذي يتوقّف إتيان الواجب عليه في الأسفار الواجبة، وتكون بالتالي واجبة بالوجوب العيني على المكلّف كوجوب نفس الواجب المتوقّف على السفر. ويترتّب على ذلك جميع الأحكام التكليفيّة، فكما يكون السفر لفعل الواجب واجباً ويثاب عليه كالسفر لأداء صلاة الجمعة – على القول بوجوبها -، كذلك السفر لفعل مستحبّ يكون مستحبّاً كالسفر لزيارة أهل البيت ^ ولحجٍّ وعمرةٍ مستحبّتين، والسفر لفعل أمر مباح يكون مباحاً كالسفر للترفيه، والسفر لفعل حرامٍ يكون حراماً كالسفر لمساعدة الظالم والسفر لفعل مكروهٍ يكون مكروهاً كالسفر لممارسة مهنة الحجامة.

 

 

القسم الثاني: الأسفار المحرّمة

أوّلاً: التعرّب بعد الهجرة

يعود هذا الحكم إلى بداية التشريع الإسلامي، حيث كان بعض المسلمين – بعد دخولهم في الإسلام حديثاً في المدينة المنوّرة عند رسول الله ’ – يعودون ويرجعون إلى البادية ويقيمون فيها ممّا يؤدّي إلى نقصٍ في دينهم وإسلامهم، بل والعودة عن الإسلام  – والعياذ بالله –  فحرّم الله تعالى هذه العودة عليهم أي العودة من المدينة المنوّرة إلى البادية والسكن مع الأعراب هناك، واصطلح عليه بالتعرّب بعد الهجرة، بمعنى العودة إلى الأعراب – أي التعرّب – لكن المقصود منه ليس موضوعيّة الإقامة مع الأعراب، بل لما فيه من عودة عن الدّين وتراجع عنه بعد الهجرة، أي بعد الدخول والانتقال إلى الدين الإسلامي، وهذا الحكم باقٍ في كلّ زمان وفعليُّ مادام الشرك قائماً وبلاده موجودة.

 وقد عرّفه الفقهاء في زماننا بـ (الخروج إلى البلاد التي ينقص فيها الدّين)[46]، أو بـ (الانتقال إلىٰ بلد ينتقصُ فيه الدينُ أي يضعف فيه إيمان المسلم بالعقائد الحقّة أو لا يستطيع أن يؤدي فيه ما وجب عليه في الشريعة المقدسة أو يجتنب ما حرم عليه فيها)[47].

 

فالتعرّب بعد الهجرة هو الحكم الذي يترتّب على المكلّف عند إرادته السفر والهجرة إلى بلاد الكفر، فينظر في نفسه ويبحث عن ظروف تلك البلدة وعواملها المؤثرة، فهل يأمن على نفسه من الضلال – والعياذ بالله – بل ومن التراجع والنقص؟ فإذا حقّق موضوع عدم النقص يمكنه السفر ولا يكون سفره تعرّباً بعد الهجرة، ثمّ إذا علم أنّه ينقص، فيحرم عليه هذا السفر للتعرب بعد الهجرة.

ونقل عن الشهيد الصدر الأول + عندما يُستفتى عن سفر الفتاة لوحدها إلى بلاد أجنبية، وهذا قبل ثلاثين سنة، حيث لم يكن الفساد وعوامل الفساد بهذا المدّ الهائل ، وإذا بهذا المرجع + يقول مجيباً: ( نعم مع الأمن يجوز ، ولكن أنّى لها أن تُؤمَن!)، فهي بالفعل تعقيبة جميلة وتحكي الواقع[48].

 

وأمّا موضوع هذه الحرمة، أي حرمة السفر والتعرّب بعد الهجرة: فهو العودة عن الإسلام والارتداد والكفر والعياذ بالله، فالتعرّب بحسب أصل الحكم كان بمعنى العودة إلى الأعراب، وحالة الأعراب وقتها كانت بعيدة عن أجواء الإسلام والمسلمين في المدينة، فكانت بمعنى العودة عن الإسلام، فهذا هو القدر المتيقّن من موضوعها، لكن إذا تتبّعنا الروايات في هذا الحكم وكلمات الفقهاء، نجد أنّ موضوعها أعمّ من ذلك، فقد تقدّم ذكر تعريف الفقهاء للتعرّب في الرسائل العمليّة، وقد أطلقوا ذلك إلى مطلق النقص في الدين والإيمان، ومن الواضح شمولها لحالة العودة عن الإيمان، ويوجد رواية تفيد ذلك في المقام، فقد روى الصدوق + في معاني الأخبار رواية[49] عن حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ: قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ × يَقُولُ: ” الْمُتَعَرِّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ التَّارِكُ لِهَذَا الأمْرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ”[50]. ولفظة (الأمر) عند إطلاقها بلسان أهل البيت ^ تُحمل على الأمر العظيم المعهود بين الإمام × وأتباعه ومواليه، ولا يوجد شيء معهودٌ أهمّ وأعظم من الولاية لحجّة الله على الخلق[51] التي هي النعمة الكبرى نعمة الولاية لأهل البيت ^ واتباع مذهبهم ^، وما يساعد على كون المراد من الأمر هو الولاية ومعرفة الحجّة وخليفة الله في خلقه كلامٌ للإمام عليّ × في حصر الهجرة للمسلم بمعرفتهم ^ وليس بمجرّد الإنتساب إلى الإسلام، ثمّ بعد ذلك وفي نفس هذا الكلام يصف × بأنّ أمرهم صعبٌ مستصعبٌ، وهو معرفتهم ومعرفة قدرهم ووعي حديثهم وتحمّل الإيمان، فقد ورد عنه في كلام له في الإيمان ووجوب الهجرة في نهج البلاغة أنّه قال ×:

 ” لاَ يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَد إلاّ بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ فِي الاْرْضِ. فَمَنْ عَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ … إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لاَ يَحْمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ للإيمَانِ، وَلاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ، وَأَحْلاَمٌ رَزِينَةٌ “[52].

وأوسع من هذا التعميم ما ذكره الفيض الكاشاني + في الوافي مشيراً إلى رواية حذيفة المتقدّمة:

ولا يبعد تعميمه [حكم التعرّب بعد الهجرة] لكل من تعلم آداب الشرع وسننه ثم تركها وأعرض عنها ولم يعمل بها، ويؤيده ما رواه الصدوق طاب ثراه في معاني الأخبار بإسناده إلى الصادق × أنه قال‌ المتعرّب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته[53].

وبناءً على ذلك، يمكن القول بأنّ موضوع هذا السفر المحرّم هو ليس فقط ما كان سبباً في العودة عن الإسلام، يعني الكفر والإرتداد، بل يشمل السفر الذي يكون سبباً في العودة عن الإيمان، بل مطلق النقص في الدين والإيمان.

وجدير بالذكر، أنّ ما تقدّم كان النظر فيه بلحاظ الفرد ونفس الإنسان المكلّف، لكن من المتّفق عليه أنّ من الواجب على أيّ مسلم بمقتضى ولايته المجعولة من الشارع المقدّس على غيره كالزوجة والأولاد والعبيد حفظهم وحفظ دينهم من النقص ومنه دفع التعرّب بعد الهجرة عنهم ، فالولي بدوره يجب عليه الفرار بنفسه وبعياله ومن له الولاية عليهم من بلاد التعرّب إلى بلادٍ يحفظ فيه دينه ودينهم، وعلى كلِّ فرد منهم أيضاً العمل على ذلك كمكلّفين وعدم رفض قرار الولي. نعم، إذا أهمل الولي ولم يقم بواجبه، يتعيّن على الأولاد وعلى الزوجة القيام بواجبهم بمقدار ما يسمح لهم الشارع بذلك[54]. وقد أجاب الفقيهان الخوئي + والتبريزي + عن ذلك، بما يدلّ على ما تقدّم:

(سؤال 1161: إذا خيف على الأولاد في بلاد الغرب من التعرّب بعد الهجرة، هل يجب الرحيل الى بلد إسلامي، أو العودة الى بلده «لبنان مثلاً» مهما كانت الظروف؟

الخوئي: نعم يجب ما لم يكن في معرض تلف النفس في الرحيل، أو تعقب حرج أو ضرورة توجب رفع التكليف.

التبريزي: يضاف الى جوابه +: بل لا يبعد وجوب الهجرة حتى مع الحرج، إذا خاف على أهله و أولاده من اللحوق بالكفار، و اللّٰه العالم)[55].

والسؤال وإن كان في التعرّب بعد الهجرة، لكن بقرينة كلام السائل – بأنّه يريد الارتحال إلى بلد إسلامي – يكون مراده السؤال عن حكم وجوب الهجرة من بلاد الكفر، وقد تمّ الإشارة إلى نكتة التفريق بين حكم الحرمة في التعرّب بعد الهجرة وحكم الوجوب في الهجرة من بلاد لا يتمكّن من إقامة شعائر الإسلام فيها. وعلى أي حال فالفقيهان قد أفتيا للسائل بضرورة ووجوب ترك تلك البلاد حتّى مع الحرج، وهذا قلّ ما يكون في الأحكام الشرعيّة، فعادة – لوجود قاعدة >نفي الحرج< و>لا ضرر< – يفتي الفقهاء بارتفاع الحكم مع وجود الحرج أو وجود الضرر إلا في حالات خاصّة؛ وفي مقامنا بقي الوجوب رغم الحرج؛ وما ذلك إلا لشدّة وأهمّية تأثير هذه الإقامة في المكلّف وعائلته، ولذلك تنفعنا في حرمة التعرّب على الولي ومن يعول لوقوعهم جميعاً في محذور الإقامة المحرّمة في مثل تلك البلاد، ومع علم المكلّف بذلك قبل سفره يحرم عليه هذا السفر لنفس المحذور.

 

والحكم بالحرمة في هذا السفر وهذه الهجرة متفق عليه، بل متسالم عليه عند علماء الشيعة وأهل العامّة، وأدلّته واضحة في الروايات لما فيها من صراحة الحرمة وعدّه من الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها بالنار والعذاب الأليم، ويمكن الاكتفاء ببعض الروايات الواردة بألسنة مختلفة:

وكتب عليّ بن موسى الرضا × إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله ” وحرّم الله عز وجل التعرّب بعد الهجرة للرجوع عن الدين وترك المؤازرة للأنبياء والحجج ^ وما في ذلك من الفساد وإبطالِ حقِ كلِ ذي حق [لا] لعلة سكنى البدو، ولذلك لو عرف الرجل الدين كاملاً لم يجز له مساكنة أهل الجهل، والخوف عليه؛ لأنه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك…”[59].

 

المتحصّل: إن هذا السفر المحرم أي التعرّب بعد الهجرة من المحرّمات المتفق والمتسالم على حرمتها، حيث عدّت من المحرّمات الكبائر، وموضوعها يتحقّق قبل السفر إلى البلد المقصود بالمدار والسعة المتقدّمة.

وينبغي الانصاف في تحديد الموضوع والغاية ودراسة الأوضاع والظروف المتاحة في البلد المقصد من الحفاظ على الدين والعقيدة والعلم بالأحكام الشرعيّة قبل الإقدام على هكذا أسفار لما فيها من مخاطر جسيمة وعظيمة تبدأ بالبروز في بداية الهجرة والإقامة في تلك البلاد، ويظهر معالمها جيلاً بعد جيل بكلّ وضوح إلى أن ينتبه المكلّف إلى نفسه، وقد أصبح هو وعياله وأبناؤه بعيدين كلّ البعد – لا سمح الله – عن مبادئ الإسلام وعقائده وأحكامه الشرعيّة، أعاذنا الله تعالى من ذلك.

ومن أهمّ المخاطر التي ينبغي ملاحظتها في هذه الهجرة:

وقد تقدّم الحديث عنها مفصّلاً في العدد السابق[60].

ثانياً: أسفار المعصية

إذا حرم السفر على المكلّف أو قصد بسفره المعصية سمّي هذا السفر في الاصطلاح الشرعي >سفرُ معصيةٍ<، فهو أعمّ من كون السفر بنفسه محرّماً أو من كون السفر بنفسه جائزاً، لكن كان المقصد فعل الحرام أو ترك الواجب، وقد رتّب الشارع على ذلك مادام عاصياً في سفره حكمان أساسيّان هما:

نعم، لو عدل إلى الطاعة في سفره يتغيّر إلى سفر طاعةٍ ويتغيّر بذلك حكمه فيقصّر في صلاته ولا يصوم، ولا فرق بين كون السفر من أوّله محرّماً أو قاصداً فعل المحرّم من أوله وابتداءً أو حصل هذا الأمر استدامة وأثناء طريقه وسفره. فقد ذكر المحقق الحلّي +: (ثمّ لا فرق في سفر المعصية بين الابتداء و الاستدامة، فلو كان ابتداء سفره طاعة فقصد به المعصية في الأثناء انقطع ترخّصه قطعاً و إن كان قد قطع مسافات)[61].

فهذا السفر يحرم عيناً على المكلّف ويسمّى سفر معصيةٍ، إمّا إذا كان سفره بنفسه محرّماً كما لو سافر هرباً من الجهاد الواجب، أو سافرت الزوجة مع رفض زوجها وعدم رضاه، أو سافر الولد مع أذية والديه وعدم وجود مصلحة شرعيّة أهم من إيذائهما، أو سافر بدابّة أو وسيلةٍ أخرى مغصوبة، أو سافر في يومٍ واجب الصيام على نحو التعيين بنذر ونحوه أو وجب لضيق قضاء الصوم عليه[62]، وإمّا إذا كان يقصد بسفره فعل الحرام والمعصية أو ترك الواجب حتى لو كان سفره بحد ذاته جائزاً، كما لو سافر قاصداً ارتكاب المحرّم في مركز فسق وفجور، أو سافر المديون من غريمه في الدين فراراً من أداء دينه إذا كان واجباً عليه. فقَصْدُ الحرام أو الحلال يؤثر في جعله سفر معصية – إذا لم يكن السفر بنفسه محرّماً – وفي عدمه، وقد جاء في رواية أبي سعيد الخراساني قال : دخل رجلان على أبي الحسن الرضا × بخراسان فسألاه عن التقصير ؟ فقال : >لأحدهما : وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني ، وقال للآخر : وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان<[63].

يذكر الفقهاء هذا النوع من السفر في كتبهم الفقهيّة ورسائلهم العمليّة في أحكام السفر عادةً؛ لأنّ من شروط السفر الشرعي الموجب للتقصير في الصلاة والإفطار في الصيام هو كون السفر سائغاً، كما اشترطه بعض الفقهاء كالمحقّق النجفي + في الجواهر – كما سيأتي -، أو عدم كون السفر محرّماً كما اشترطه بعض آخرون كالمحقّق اليزدي + صاحب العروة – كما سيأتي -، وعلى كلا الحالين يقابلهما سفر المعصية الذي نحن فيه، علماً أنّ السفر الذي يكون مكروهاً في نفسه كالسفر للإفطار في شهر رمضان قبل اليوم الثالث والعشرين منه أو لفعل مكروه كالسفر لممارسة مهنة الحجامة أو الحياكة أو لترك مستحبٍّ كالسفر لتضييع غسل الجمعة فضلاً عن السفر المباح لا يكون سفر معصيةٍ، ولابأس بذكر بعض كلماتهم للفائدة في معرفة الفتوى مع ذكر بعض المصاديق لهذا السفر بقسميه: المحرّم في نفسه أو السفر لأجل فعل الحرام أو ترك الواجب.

فقد ذكر المحقّق النجفي + في الجواهر – شارحاً عبارة المحقّق الحلّي + في الشرائع – ما يلي:

الشرط الرابع من شرائط القصر أن يكون السفر سائغاً … (و لو كان) السفر (معصية لم يقصّر، كاتّباع الجائر و صيد اللهو). و لا فرق بين العصيان بنفس السفر؛ كالفرار من الزحف، و إباق العبد، و هرب المديون مع القدرة على الأداء، و الزوجة للنشوز، بناءً على حرمة المذكورات بالخصوص عليهم، لا من جهة وجوب ما ينافيها عليهم. و بين العصيان في السفر لغايته، ضمّ إليها طاعة أو لا. اللهمّ إلا أن يكون المقصد الأصلي الذي ينسب السفر له الطاعة، مع احتمال الاكتفاء بمطلق ضمّ المعصية على أيّ وجهٍ يكون على إشكال.

و بالجملة: فالمراد تحريم السفر لغايته، كالسفر لقطع الطريق، أو لنيل المظالم من السلطان، و نحو ذلك. [64]

وذكر المحقّق اليزدي + في العروة الوثقى:

الخامس: من الشروط أن لا يکون السفر حراماً، و إلا لم يقصّر، سواء کان نفسه حراماً کالفرار من الزحف، و إباق العبد، و سفر الزوجة بدون إذن الزوج فی غير الواجب، و سفر الولد مع نهی الوالدين فی غير الواجب، و کما إذا کان السفر مضرّاً لبدنه و کما إذا نذر عدم السفر مع رجحان ترکه و نحو ذلک، أو کان غايته أمراً محرّماً، کما إذا سافر لقتل نفس محترمة أو للسرقة أو للزنا أو لإعانة ظالم أو لأخذ مال الناس ظلماً و نحو ذلک، و أمّا إذا لم يکن لأجل المعصية، لکن تتّفق فی أثنائه مثل الغِيبة و شرب الخمر و الزنا و نحو ذلک ممّا ليس غاية للسفر، فلا يوجب التمام، بل يجب معه القصر و الإفطار.[65]

ومن باب الفائدة وإبراز مصاديق أخرى لهذا النوع من السفر المحرّم، تمّ نقل كلام السيد الشهيد الصدر + في سفر المعصية من رسالته العمليّة، حيث قسّمه + إلى ثلاثة أقسام – وإن كان القسمان الأوّلان يعودان إلى قسم واحد جامع بينهما وهو السفر لغاية ارتكاب محرّم أو ترك واجب -، وهذا ما أفاده:

سفر المعصية يطلق:
أولاً: على السفر الذي يستهدف منه المسافر فعل المعصية وارتكاب الحرام، كمن سافر للاتجار بالخمر، أو لقتل النفس المحرمة، أو للسلب، أو إعانة للظالم على ظلمه، أو لمنع شخص من القيام بالواجب الشرعي ونحو ذلك. وأما إذا كان الهدف من السفر والباعث عليه أمراً محللا في ذاته كالنزهة، وصادف فعل الحرام في أثناء السفر، كالكذب والغيبة واكل النجس، فلا يسمى السفر من اجل ذلك سفر المعصية.

ثانياً: على السفر الذي يستهدف منه المسافر الفرار من أداء الواجب الشرعي، كمن يفر من أداء الدين مع القدرة عليه بالسفر والابتعاد عن الدائن الذي يطالب بالوفاء فعلاً.

 وثالثاً: على السفر الذي لا يراد به التوصل إلى معصية، كما في الأول ولا الفرار عن واجب كما في الثاني، ولكنه هو حرام، بمعنى أن السفر والتغرب عن البلدة نفسه حرام، كما إذ كان قد أقسم يميناً على أن لا يسافر في يوم ماطر، أو نهاه عن السفر من تحرم عليه معصيته شرعاً، فيكون السفر في اليوم الماطر حراماً وبهذا يعتبر نوعاً من سفر المعصية.[66]

 

وأمّا عن الحكمة في هذا الحكم في حقّ المسافر معصيةً، فيمكن القول بأنّ المسافر معصيةً بحكم عدم المسافر، لعدم توفّر شرط من شروط السفر الشرعي في حقّه، وبالتالي فكأنّه لم يسافر وبحكم المقيم في مكانه، فيكون حكمه حكم الإتمام والصيام، وقد ذكر في بعض الروايات ما يظهر منها علّةً للحكم، كما في رواية موثّقة لعبيد بن زرارة: «سألت أبا عبد الله × عن الرجل يخرج الى الصيد أيقصّر أم يتمّ؟ قال : يُتمّ ، لأنه ليس بمسير حق»[67]، فجعلت المدار في عدم التقصير هو عدم كون سفره حقّاً، يعني سائغاً. لكن إذا نظرنا بنظرة أعمق من ذلك، ولاحظنا الأدلّة والروايات في حكم التقصير على المسافر، نجد أنّ الله تعالى جعل حكم التقصير رحمةً وعطفاً منه على عباده لكونهم في حالة سفرٍ والمفروض أنّهم في تعبٍ وإرهاق، فمنّ عليهم بتخفيف الصلاة كالتقصير في صلاة الخائف، ولو لم يسافر وبالإفطار، أمّا الذي يكون سفره لغايةٍ محرّمة أو العاصي في أصل سفره، فهو ممّن لا يستحقّ هذه العناية الإلهيّة، وهذا العطف الإلهي، فلا احترام لتعبه وعنائه وإرهاقه وعليه إتمام الصلاة والبقاء على صيامه، وقد ذكر الشيخ الصدوق + في باب >علّة وجوب التقصير< رواية عن الفضل بن شاذان النيشابوري، فقال:

 ذكر الفضل بن شاذان النيسابوري رحمه‌الله في العلل التي سمعها من الرضا × > أن الصلاة إنما قصرت في السفر؛ لأنّ الصلاة المفروضة أولا إنما هي عشر ركعات ، والسبع إنما زيدت فيها بعد فخفف الله عزوجل عن العبد تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه ونصبه واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته؛ لئلا يشتغل عما لابد منه من معيشته رحمة من الله عزوجل وتعطفا عليه ، إلا صلاة المغرب فإنها لا تقصر لأنها صلاة مقصرة في الأصل. وإنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر … الحديث<[68].

 

 

 

القسم الثالث: الأسفار المستحبّة

الأسفار المستحبّة هي الأسفار التي يحبّها المولى تعالى بنفسها ويطلبها طلباً دون الطلب الشديد، كما في الأسفار الواجبة المتقدّمة، والكلام هنا ليس في السفر لأجل القيام بفعل مستحبّ الذي يكون مستحبّاً بناءً على كون مقدّمة المستحب مستحبّة، حيث يأتي الخلاف المتقدّم بين المبنيين في الوجوب الغيري ووجوب المقدّمة، فعلى مبنى اعتبار الوجوب الغيري وأنّه يتعلّق به الثواب والعقاب وليس مبنى كفاية الوجوب العقلي فقط، يكون السفر المقدّمي للقيام بفعل مستحبّ سفراً مستحبّاً أيضاً، كما ويمكن اعتبار السفر لترك فعل مكروه كذلك بناءً على الملازمة التي بنى عليها الفقهاء القدماء تقدّست أسرارهم: بأنّ ترك المستحبّ مكروه وترك المكروه مستحبٌّ[69]. نعم، مع كون الفعل المقصود مستحبّاً أيضاً وبناءً على استحباب المقدّمة شرعاً يزداد السفر -كونه مقدّمة – استحباباً ويكون آكد. إنّما الكلام في السفر المستحبّ في نفسه والذي حثّ الشارع وشجّع عليه، ومن أهمّ هذه الأسفار السفر لزيارة النبي ’ والأئمّة ^، فهي بحدّ ذاتها من أهمّ المستحبّات التي حثّ الشارع عليها، بل قد تجب في بعض الظروف -كأن يلزم هجران تلك المراقد المقدّسة ولزوم الهتك بصاحب الزيارة × – إلا أنّه جاء في الشرع استحباب السفر بنفسه لزيارة أهل البيت ^ في أماكن مراقدهم وحثّ الخطى على ذلك، بل والذهاب والسفر ماشياً وغيرها، وما فيها من ثواب جزيل ذهاباً وإياباً، وهذا من أقل حقوقهم على الأمّة وعلى الناس جميعاً، وهذا نقلٌ لبعضها تبرّكاً وفائدةً:

كذلك توجد أسفار مستحبّة في نفسها متعلّقة بزمن وقوعها، منها على سبيل المثال:

 

 

القسم الرابع: الأسفار المكروهة

وهذه الأسفار بعكس الأسفار المستحبّة المتقدّمة من حيث الحكم، فهي مبغوضة عند المولى تبارك وتعالى لكن ليس كراهة شديدة إلى حدّ الحرمة، وقد نهى الشارع عنها وحكم الفقهاء بكراهتها بنفسها بغضّ النظر عن الغاية منها، وهي على سبيل المثال:

 

وذكر الفقهاء في محلّه أنّه في حال الضرورة ترتفع الكراهة التكليفيّة عن كافّة هذه الأسفار المكروهة، والضرورة تقدّر بقدرها ويقتصر فيها على مقدارها. وأمّا تبعات هذا السفر التكوينيّة للذي يريد السفر – بناء على بقائها رغم ارتفاع الأثر التكليفي – فيمكن دفعها بالتصدّق قبل ذلك والقيام بما جاء من أذكار وأعمال وردت في روايات أهل بيت العصمة والطهارة ^. فقد جاء عن الإمام الصادق ×: > تصدّق واخرج أيّ يوم شئت<[87]، وفي رواية حمّاد بن عثمان قال : قلت لأَبي عبدالله × :>أيكره السفر في شيء من الأَيام المكروهة مثل الأَربعاء وغيره؟ فقال: افتتح سفرك بالصدقة، واخرج إذا بدا لك، واقرأ آية الكرسي واحتجم إذا بدا لك<[88].

 

 

القسم الخامس: الأسفار المباحة

جعل الشارع الأصل في أفعال الإنسان بشكل عام هو حكم الإباحة بالمعنى الأخصّ[89] إلا ما دلّ الدليل على حكم من الأحكام الإلزاميّة فيه كالحرمة أو الوجوب أو الترخيصيّة كالكراهة أو الاستحباب. وكلّ سفر لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة في أقسام الأسفار الأربعة المتقدّمة يكون مباحاً بحسب الأصل.

وقد ذُكر من الأسفار المباحة على سبيل المثال ما يلي:

 

 

الخاتمة

النتائج

 

 

المصادر

 

[1] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج 29، ص 356، باب 48 من أبواب ديات الأعضاء، ح 1.

[2] الجوهري، أبو نصر، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، ج2، ص851-852.

[3] الجوهري، أبو نصر، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، ج2، ص 685.

[4] الفيومي، أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، ص 326.

[5] الفيّومي، أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، ص 146.

[6] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج15، ص356.

[7] سورة النساء: 100.

[8] سورة النساء: 97.

[9] سورة النساء: 97.

[10] سورة النساء: 98-99.

[11] الشيخ الطوسي، محمّد بن الحسن، المبسوط في فقه الإماميّة، ج2، ص3.

[12] سورة التوبة: 122.

[13] الشهيد الصدر، السيد محمّد باقر، دروس في علم الأصول، ج 1، ص285.

[14] راجع: المصدر السابق نفسه، و الآخوند الخراساني، الشيخ محمّد كاظم، كفاية الأصول، ج 2، ص 72، وغيرها.

[15] سورة النحل: 43، وسورة الأنبياء: 7.

[16] فخر المحقّقين، محمد بن الحسن بن المطهر الحلي، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 554.

[17] العلامة الحلّي، جمال الدين الحسن بن المطهر، منتهى المطلب، ج 1، ص 7-8.

[18] العلامة الطباطبائي، السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 403 – 404.

[19] المصطفوي، السيد محمّدكاظم، القواعد(مائة قاعدة فقهيّة)، ص 34.

[20] الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى، كتاب المكاسب، ج 1، ص 77.

[21] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، باب 35 من أبواب فعل المعروف، ج 16، ص 381، ح 1. ولاحظ ح 2، و ح 3.

[22] المصدر السابق نفسه، ج 16، ص 382، ح 5.

[23] الشيخ الطّوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي، ص 45-46 .

[24] العلاّمة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار ، ج19، ص30.

[25] المصدر السابق نفسه.

[26] العلاّمة الطباطبائي، السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج5، ص49-50.

[27] سورة النساء: 98-99.

[28] سورة النساء: 75.

[29] تمّ نقل تمام كلامه حول الهجرة في التمهيد.

[30] الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام، ج3 ، ص17، وذكر مثله المحقق الكركي +، عليّ بن الحسين، جامع المقاصد في شرح القواعد، ج3 ،ص374.

[31] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج5، ص195، بَابُ الرَّجُلِ يُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ ، فَلَا يَجِدُ إِلاَّ الثَّلْجَ ، أَوِ الْمَاءَ الْجَامِدَ‌، الحديث 1.

[32] فقد قال صاحب الجواهر +، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، ج21، ص37 ما يلي: (فمن الغريب ما سمعته عن الشهيد [من القول بوجوب الهجرة عن البلاد التي لا يتمكن فيها من إظهار شعائر الإيمان مطلقاً مع وجود نصوص تدل على حسن معاشرتهم ووجود أدلّة التقيّة – كما سيأتي في المتن بعد قليل]، ولم أعرف ذلك لغيره، بل ولا له أيضاً في كتاب من كتبه المعروفة).

[33] الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي، اللمعة الدمشقية، ج1، ص72.

[34] المحقق الكركي، عليّ بن الحسين، جامع المقاصد في شرح القواعد، ج3، ص374.

[35] الجوهري، أبو نصر، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، ج2، ص 698.

[36] الفيومي، أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، ص 164.

[37] سورة البقرة: 158، وسورة المائدة: 2، وسورة الحجّ: 36.

[38] النجفي، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، ج21، ص 37-38.

[39] الخميني، السيد روح الله، تحرير الوسيلة، ج 2، ص 122.

[40] الخوئي، السيد أبوالقاسم، منهاج الصالحين، ج 2، ص 317.

[41] راجع: الخميني، السيد روح الله، تحرير الوسيلة، ج 2، ص 119 – 133. الخوئي، السيد أبوالقاسم، منهاج الصالحين، ج 2، ص 317- 320، وغيرها.

[42] الخوئي، السيد أبوالقاسم، موسوعة الامام الخوئي، ج 44، ص 282.

[43] الشهيد الصدر، السيد محمد باقر، دروس في علم الأصول، ج 2، ص 260.

[44] الآخوند الخراساني، الشيخ محمّد كاظم، كفاية الأصول، ص 126.

[45] الكلانتري الطهراني، الميرزا أبو القاسم، مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري)، ج 1، ص 405 – 406.

[46] البصري، البحراني، زين الدين، محمّد أمين، كلمة التقوى، ج1، ص586، مسألة 1089. الخراساني، حسين وحيد، منهاج الصالحين، ج2، ص5، و التبريزي، الميرزا جواد، منهاج الصالحين، ج1، ص11، والسيستاني، السيّد علي الحسيني، منهاج الصالحين، ج1، ص16، والفياض، محمّد إسحاق، منهاج الصالحين: ج1، ص19، والطباطبائي، الحكيم، السيّد محمّد سعيد، منهاج الصالحين، ج1، ص436 وغيرها.

[47] السيستاني، السيد علي، المسائل المنتخبة، ص14.

[48] ذكرها سماحة الشيخ حبيب الكاظمي حفظه الله في سلسلة محاضراته حول مقوّمات الحياة الزوجيّة السعيدة، المحاضرة 2.

[49] في سند الرواية محمّد بن سنان، وهو مختلف في أمره، فبعض الرجاليين وثقوه وبعضهم ضعّفه، لكن بغض النظر عن ذلك، فمشهور العلماء عملوا بهذه الرواية، فتكون منجبرة بعمل الأصحاب على مبنى القائلين بانجبار ضعف الرواية بعمل المشهور.

[50] الصدوق، ابن بابوبه، محمّد بن عليّ بن الحسين، معاني الأخبار، ص265 ، باب معنى التعرب بعد الهجرة‌.

[51] كما ورد في صحيحة زرارة عن الإمام أَبِي جَعْفَرٍ الباقر × قَالَ : ” بُنِيَ الإسْلامُ عَلى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : عَلَى الصَّلاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ “. قَالَ زُرَارَةُ : فَقُلْتُ : وَأَيُّ شَيْ‌ءٍ مِنْ ذلِكَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ × : ” الْوِلايَةُ أَفْضَلُ ؛ لأنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ ، وَالْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ … الحديث”، الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج3، ص54، باب دعائم الإسلام، الحديث 5، وشبيهه: الحديث 1 و3 و6 و8  وغيرها.

[52] الشريف الرّضي، محمّد بن الحسين، نهج البلاغة، ج2، 128-129، من كلام له في الإيمان ووجوب الهجرة.

[53] الفيض الكاشاني، محمد محسن بن شاه مرتضى، الوافي، ج‌5، ص1050.

[54] ترتبط بمقدار الإذن الشرعي للزوجة والأولاد والعبيد في مخالفة الوليّ الشرعيّ، وبأي مدى من التعرّب، وترتبط بمقدار الضرورة أو الحرج وغيرها من الأمور.

[55] الخوئي، السيّد أبو القاسم الموسوي، صراط النجاة(تعليقات التبريزي)، ج2 ، ص376، سؤال: 1161.

[56] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج10، ص885 ، بَابُ أَنَّهُ لا رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ ، الحديث 5.

[57] الكليني، محمّد بن يعقوب، الکافي، ج3، ص 685، باب الكبائر، الحديث3.

[58] الصدوق ، ابن بابويه، محمّد بن علي بن الحسين، الخصال، ج1، ص273، باب الخمسة.

[59] الصدوق، ابن بابوبه، محمّد بن علي بن الحسين، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج3 ص 566 باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عز وجل عليها النار ح 4934 ، بداية الحديث ص 565. كما ذكرها في: الصدوق، ابن بابوبه، محمّد بن علي بن الحسين، علل الشرائع، ج2  ص 481، باب 233 – العلة التي من أجلها حرم الفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة.

[60] مجلّة مداد الأطهار، العدد الأول…

[61] جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، النجفي، الشيخ محمد حسن، ج 14، ص 260.

[62] ذكر المحقّق اليزدي + في العروة: (يجوز السفر اختياراً فی شهر رمضان بل و لو کان للفرار من الصوم کما مرَّ و أمّا غيره من الواجب المعين فالأقوی عدم جوازه). العروة الوثقی فيما تعمّ به البلوی، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج 3، ص 624، مسألة 4.

[63] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج 8، ص 478.

[64] النجفي، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، ج 14، ص 257.

[65] الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، العروة الوثقی فيما تعمّ به البلوی، ج 3، ص 436 – 437.

[66] الشهيد الصدر، السيد محمّد باقر، الفتاوى الواضحة، ص 318.

[67] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج 8، ص 480، باب 9 من أبواب صلاة المسافر، ح 4.

[68] الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 454.

[69] هذا إنّما يعود إلى المبنى الذي يسلكه الفقيه والأصولي في القاعدة العقليّة: هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص، ويترتّب على القول بالاقتضاء كون ترك المحرّم واجب وترك الواجب محرّم، كما أنّ ترك المكروه مستحب وترك المستحب مكروه.

[70] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 14، ص 322، باب 2 من أبواب المزار وما يناسبه، ح 5.

[71] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 14، ص 444، باب 44 من أبواب المزار وما يناسبه، ح 3.

[72] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 14، ص 334، باب 3 من أبواب المزار وما يناسبه، ح 5.

[73] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 14، ص 380، باب 24 من أبواب المزار وما يناسبه، ح 1.

[74] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 14، ص 439، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، ح 1.

[75] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 14، ص 562، باب 84 من أبواب المزار وما يناسبه، ح 1.

[76] الصدوق، ابن بابوبه، محمّد بن علي بن الحسين، كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 266.

[77] المصدر السابق نفسه.

[78] سورة الجمعة: 10.

[79] الحلبي، أبو الصلاح تقي بن نجم، الكافي في الفقه، ص 155.

[80] الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، العروة الوثقی فيما تعمّ به البلوی، ج 3، ص 625، مسألة 5.

[81] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 11، ص 352، باب 4 من أبواب آداب السفر إلی الحجّ و غيره، ح 3.

[82] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 11، ص 367، باب 11 من أبواب آداب السفر إلی الحجّ و غيره، ح 1.

[83] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة،  ج 11، ص 410، باب 30 من أبواب آداب السفر إلی الحجّ و غيره، ح 5.

[84] المصدر السابق نفسه، ح 7.

[85] المصدر السابق نفسه، ح 4.

[86] المصدر السابق نفسه، ج 11، ص 453، باب 60 من أبواب آداب السفر إلی الحجّ و غيره، ح 1.

[87] المصدر السابق نفسه، ج 11، ص 375، باب 15 من أبواب آداب السفر إلی الحجّ و غيره، ح 1.

[88] المصدر السابق نفسه، ج 11، ص 375، باب 15 من أبواب آداب السفر إلی الحجّ و غيره، ح 2.

[89] ذكر الأصوليّون اصطلاحين للمباح هما: المباح بالمعنى الأعمّ وهو الذي يقابل الإلزام فيشمل الاستحباب والكراهة والمباح بالمعنى الأخصّ، والمباح بالمعنى الأخصّ وهو متساوي الطرفين من المحبوبيّة والمبغوضيّة.



التعليقات

إرسال تعليقاتكم واقتراحاتكم

أسمك الكريم:

بريدك الإلكتروني:

رسالتك: