قاعدة أصالة الصحة في عمل الغير
(تطبيق على قراءة إمام الجماعة)
بقلم الشيخ عباس الصائغ
الملخّص
بحث الكاتب هذا البحث من أجل التعرّف على حكم مسألة ابتلائية وهي الصلاة جماعة خلف مَن يُشكّ في صحّة قراءته، وأنه لماذا بعض الأعلام يُجرون أصالة الصحة في المقام فيفتون بصحة الصلاة، والبعض الآخر لا يجري أصالة الصحة؟
فبحث الكاتب في الفصل الأوّل عن قاعدة أصالة الصحة في عمل الغير، مع بيان أهمّ المطالب فيها؛ حتى يعطي تصوّراً وافياً حول القاعدة، ثم ذكر الأدلّة المقامة عليها، وفي الفصل الثاني طبَّقَ البحث على إمام الجماعة الذي يُشكّ في صحة قراءته في الصلاة.
.
مقدّمة
لم تكن القواعد الفقهية -مع ما لها من أهمية في علم الفقه- تُبحث بشكل مستقلّ، وإنما كانت تُبحث في طيّات علم الفقه، ولذا كان البحث عنها فيه شيء من الصعوبة، ولكن ولله الحمد في الأزمنة المتأخّرة تمّ إفراد الكتب التي تعنى بجمع القواعد الفقهية وتنقيحها، والاستدلال عليها، وبيان حدودها، وموارد تطبيقها، وهذا ما أسهم في فهمها بشكل أدقّ وأعمق.
ولذا يقول المحقّق البجنوردي¤ في مقدمة كتابه: “فإنّي من سالف الزمان لمّا رأيت أنّ القواعد الفقهيّة المتفرّقة في أبواب العبادات والمعاملات والأحكام لم تجمع في كتاب مشروحاً يذلّل صعابها، ويكشف الغطاء واللثام عن معضلاتها، فأحببت أن أجمعها وأشرحها لإيضاح تلك القواعد دلالةً وسنداً ومورداً، وأبيّن النسبة بينها، وأعيّن الحاكم والمحكوم، والوارد والمورود منها“([1]).
ثمّ إنّ البحث عن القواعد الفقهية وأدلتها من الناحية النظريّة وإن كان يعطي فهماً دقيقاً للقاعدة، إلا أنه لا يغني عن الدقّة من الناحية التطبيقية، فمجرّد جمع القواعد النظريّة لا يعني صحة تطبيقها بعد ذلك، بل التطبيق -كما يعبّر السيد الشهيد الصدر- مهمة فكرية بطبيعتها تحتاج إلى درس وتمحيص([2]).
من هنا أحببت أن أبحث عن قاعدة الصحة في عمل الغير؛ والهدف من ذلك عدّة أمور:
الأول: أنها قاعدة تستعمل في الفقه كثيراً، فينبغي فهمها بشكل جيّد.
الثاني: أنّ لهذه القاعدة معانٍ مختلفة ومتعدّدة، فينبغي تحديد المعنى المراد قبل التطبيق.
الثالث: وهو الدافع الأساس لبحث القاعدة، وهو أني وجدت في الفقه مسألةً ابتلائيّةً قد اختلف الفقهاءُ فيها، وهي مسألة جواز الاقتداء بمَن يُشكّ في صحة قراءته، فهل يجوز الاقتداء بإمام جماعةٍ مع الشكّ في صحة قراءته أو لا يجوز؟ فبعضهم ذهب إلى الجواز؛ تطبيقاً لقاعدة الصحة في عمل الغير، وبعضهم الآخر ذهب إلى عدم الجواز؛ لأنه يرى بأنّ قاعدة الصحة لا تجري في المقام.
فمن أجل ذلك ارتأيتُ أن أبحث عن الأمور المهمة في القاعدة أوّلاً، ثم أرى هل القاعدة تنطبق على هذا المورد وهو الشكّ في صحة قراءة إمام الجماعة أو لا؟
من هنا يقع البحث في فصلين أساسيين وخاتمة.
الفصل الأول: في بيان قاعدة الصحة في عمل الغير
ويقع الكلام في عدّة مطالب:
المطلب الأول: تحرير محل البحث
تطلق قاعدة أصالة الصحة ويراد بها عدّة معاني واصطلاحات، فلا بدّ أولاً من تحرير محل الكلام وبيان المعنى المراد بحثه هنا.
الإطلاق الأول([3]): قد تطلق أصالة الصحة ويراد منها حمل عمل الغير على الفعل الحسن المباح، بمعنى حسن الظن بعمل الآخرين، في مقابل الحمل على القبيح المحرّم، ولكن من دون لحاظ الأثر الجوارحي المترتّب عليه، بل المراد ترتيب الأثر الجوانحي القلبي فقط.
مثلاً: لو رأينا شخصاً يأكل في نهار شهر رمضان، وشككنا هل إفطاره هذا عن عذر فلا يكون عاصياً أو عن غير عذر فيكون عاصياً؟ فمقتضى أصالة الصحة حمل فعله على الحسن، أي بمعنى عقد القلب على أنه لم يفعل فعلاً قبيحاً ولم يفعل معصية، لا بمعنى أن نرتّب آثار العدالة عليه وبالتالي نجوّز الصلاة خلفه مثلاً أو نقبل شهادته أو نجوّز تقليده أو غير ذلك.
أو مثلاً([4]): لو شككت في الكلام الصادر من الغير أنه سلام أو هو سبٌّ، كما لو تردّد بين كونه (سلام عليك) وبين كونه (سام عليك) بمعنى الموت، فهنا يُحمل عمله على الصحة وأنّ هذا سلام وليس سبّاً.
ويشهد على هذا المعنى قول أمير المؤمنينo: >ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه<([5])، بتقريب: أنّ المراد من الأمر هو الأعم من القول والفعل، وأنّ الوضع بمعنى ترتيب الآثار، فتدلّ الرواية بالتالي على أنه إذا شكّ في صحة فعل الأخ المسلم وفساده فلابدّ من حمله على الصحة؛ لأنها الأحسن([6]). وكذلك قوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا}([7]) بضميمة ما ورد في تفسيره في الكافي من قول الصادقo: >قولوا للناس حسناً ولا تقولوا إلا خيراً حتى تَعلموا ما هو<([8])، بتقريب: أنّ المراد من القول هو الظن أو الاعتقاد، وبما أنهما ليسا من الأمور الاختيارية فلا يمكن التكليف بهما، فيكون المراد هو ترتيب آثار الاعتقاد الصحيح ومعاملة الناس في أفعالهم معاملة الصحيح([9]).
وليس هذا هو محلّ الكلام والبحث هنا؛ لعدم ترتّب أثر عملي على أصالة الصحة بهذا المعنى، فإنه لو دار الأمر بين الكلام المسموع من المؤمن سلاماً أو شتماً فإنه لا يترتّب على حمل فعله على الصحيح وجوب ردّ السلام.
الإطلاق الثاني([10]): قد تطلق أصالة الصحة ويراد منها حمل خبر الغير على الخبر الصحيح، وهو ما يعبّر عنه بأصالة الصحة في مقام المعاشرة، بمعنى معاشرة القائل للخبر معاشرةَ القائل للخبر الصحيح واقعاً.
والمنظور في هذا الأصل هو خبر المؤمن الإمامي حتى لو لم يحصل الوثوق بخبره، فلو جاء المؤمن الإمامي وأخبرنا بخبر، ثم شككنا في صدق خبره، فهنا تأتي هذه الأصالة وتقول: احمل خبره على الصحة، ولا تكذّب خبر هذا المؤمن، يعني عامله ظاهراً معاملة الصادق، ولكن من دون أن ترتّب أثراً واقعياً عليه.
ولهذا المعنى تشير الرواية عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال: قلتُ له: جُعلْتُ فداك الرّجلُ من إخواني بلغني عنه الشيء الذي أكرهُهُ فأسألُه عنه فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قومٌ ثقاتٌ. فقال لي: يا محمد كذِّبْ سمعَكَ وبصرَكَ عن أخيك وإن شهد عندك خمسون قَسامَةً وقال لك قولاً فصدّقْهُ وكذّبهم ولا تُذيعَنَّ عليه شيئاً تشينُه به وتهدم به مروءتَه فتكون من الذين قال الله عزّ وجلّ- {الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيٰا وَالْآخِرَةِ}([11]).
فهذه الرواية تشهد على أنّ المراد هو تصديق المؤمن ظاهراً لا واقعاً، وإلا فلا يحتمل أن يُرجَّح إخبار هذا الشخص على خمسين قسامة تشهد بخلاف ذلك.
وأما لماذا خُصّص الكلام بالإمامي؟؛ فلِما بُحث في محلّه من عدم رابطة الإخوة مع غير الإمامي، وإن كنّا مأمورون بحسن معاشرة غير الإمامي، ولكن هذا بحث آخر.
ومن الواضح أنّ هذين الإطلاقين يرتبطان بعالم الأخلاق وحسن المعاشرة، وتعزيز روابط وعلاقات الأفراد في المجتمع.
وليس هذا هو محلّ الكلام والبحث.
الإطلاق الثالث([12]): قد تطلق أصالة الصحة ويراد منها أصالة السلامة في الأشياء والأعيان التي تقع مورداً للمعاوضة كالبيع والإجارة. ويُبحث هذا البحث في مبحث خيار العيب.
مثلاً: لو وقع البيع على سلعة معيّنة، ثم شككنا هل هذه السلعة سليمة عن العيب فتكون المعاملة صحيحة أو غير سليمة فلا تصح المعاملة؟ فهنا ذكر بعض الفقهاء أنّ الأصل في الأشياء هو السلامة من العيب أو السلامة من الفساد، فلا تبطل المعاملة.
وذُكرت عدّة وجوه لتحديد معنى أصالة السلامة([13]):
الوجه الأول: أنه أصل تكويني، فالأصل في الخلقة والتكوين أن يقع الشيء ذا خلقة صحيحة وسليمة.
الوجه الثاني: أنه عبارة عن أمارة عقلائية ناشئة من أنّ الغالب في الأشياء المخلوقة والمصنوعة أن تكون سليمة من العيب والفساد، فهذه الغلبة هي منشأ بناء العقلاء على أصالة السلامة.
قال في كشف الغطاء: “وتفصيل الحال: أنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات أو نباتات أو حيوانات، أو عبادات أو عقود وإيقاعات، أو غيرها من إنشاءات أو إخبارات أن تكون على نحو ما غلبت عليه حقيقتها من التمام في الذات، وعدم النقص في الصفات، وعلى طور ما وضعت له مبانيها، وعلى وجه يترتّب عليه آثارها فيها على معانيها من صدق الأقوال وترتّب الآثار على الأفعال“([14]).
الوجه الثالث: أنه عبارة عن الاستصحاب الأزلي، فالأصل هو عدم طروء العيب على الأشياء، وبالاستصحاب يتنقّح موضوع الصحة.
الوجه الرابع: أنه عبارة عن الشرط الارتكازي، فهناك شرط ارتكازي عند العقلاء وهو اشتراط وصف الصحة في أيّة معاملة، ومرجعه إلى التزام البائع مثلاً بأن يبيع السلعة صحيحة، فهو بمثابة ما لو قال البائع: (أبيعك سلعةً صحيحة)، فإنّ إخبار البائع بالصحة دافعٌ للغرر؛ باعتبار أنّ إخبار البائع عن وصف الصحة أمارة عقلائية.
وليس هذا المعنى من أصالة الصحة هو المراد في محلّ الكلام والبحث هنا.
الإطلاق الرابع([15]): قد تطلق أصالة الصحة ويراد منها ما يقابل الفاسد، فهي بمعنى ترتيب الآثار الخارجية العملية للعمل الصحيح على عمل الغير، بمعنى أن يكون الفعل الصادر من الغير موضوعاً لأثر عملي جوارحي بالنسبة للآخرين، سواء كان هذا الأثر:
1-أثراً شرعياً، كطلاق الغير الذي هو موضوع لأثر شرعي وهو بينونة الزوجة المطلّقة من الزوج.
2-أم كان أثراً عقلياً، كقيام الغير بصلاة الجنازة الذي هو موضوع لأثر عقلي إلينا وهو سقوط الأمر بالصلاة على الميت.
وسواء كان هذا العمل:
1-اعتبارياً، كالعقد والإيقاع والصلاة.
2-أم كان خارجياً، كما لو قام الغير بتطهير النجاسة وشككنا في صحة تطهيره وعدمها.
ففي كلّ هذه الموارد يكون فعل الغير موضوعاً لأثر عملي بالنسبة للآخرين.
وهذا هو محلّ الكلام والبحث في قاعدة أصالة الصحة في عمل الغير والذي سوف نبحث عن أدلّته.
المطلب الثاني: الفرق بين أصالة الصحة وبين قاعدة الفراغ([16])
قد يقال: بأنه لا يوجد فرق بين أصالة الصحة وبين قاعدة الفراغ؛ إذ في كلٍّ منهما نحكم على الفعل الصادر من المكلّف بالصحة، فلا حاجة للبحث عن أصالة الصحة بعد أن بحثنا عن قاعدة الفراغ. وهذا ما ذهب إليه المحقّق الهمداني حيث قال: “إنّ عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ من الوضوء إنما هو لكونه من جزئيات هذه القاعدة، وهذه القاعدة بنفسها من القواعد الكليّة المسلّمة المعمول بها في جميع أبواب الفقه، وهذه هي القاعدة التي يعبر عنها بأصالة الصحة“([17])، فقد جعل قاعدة الفراغ صغرى ومصداق لقاعدة الصحة، وبالتالي لا فرق بينهما.
إلا أننا نقول بأنه ذُكرت عدّة فروقات بينهما، منها:
الفارق الأول: أنّ قاعدة أصالة الصحة تجري عند الشك في صحة عمل الغير، بينما قاعدة الفراغ تجري عند الشك في صحة عمل المكلّف نفسه على ما هو المستفاد من أدلتها.
مثلاً: لو شك المكلف في صحة صلاته بعد الفراغ منها، فهنا تجري قاعدة الفراغ دون أصالة الصحة، ولكن لو شك المكلّف في صحة صلاة الميت التي صلاها فلان من الناس، فهنا تجري أصالة الصحة دون قاعدة الفراغ.
ملاحظة: هذا الفارق فارقٌ مبنائي، وإلا فهناك من قال بشمول قاعدة الفراغ لعمل الغير([18]).
الفارق الثاني: أنّ قاعدة الفراغ إنما تجري في حال الشك في صحة العمل بعد الفراغ عنه، ولا تجري عند الشك في الأثناء، بينما أصالة الصحة في عمل الغير تجري حتى لو كان الشك في الصحة في أثناء العمل، بل تجري حتى إذا لم يأت بالعمل بعدُ، كما إذا كان يهيّئ نفسه للصلاة على الميّت أو كان في أثناء صلاة الميّت([19]).
مثلاً: لو شك المكلّف أثناء صلاته في صحة شرط من الشروط، كما لو شك في أنه توضأ أو لا؟ فهنا لا يمكنه أنه يجري قاعدة الفراغ؛ لأنه ما زال في أثناء العمل ولم يفرغ منه.
وأما لو شك المكلّف أثناء صلاة فلان على الميّت في صحّة شرط من الشروط، فهنا يمكننا أن نجري أصالة الصحة في عمل الغير، وبالتالي نجتزئ بصلاته.
وهذا ما ذهب إليه أكثر الأعلام، حيث ذهبوا إلى جريان أصالة الصحة أثناء العمل؛ لما سيأتي من دليل السيرة الشامل لهذه الصورة، بل ذهب بعض الأعلام كالسيد محمد سعيد الحكيم في المحكم إلى جريانها حتى قبل العمل، حيث قال: “بل لا يبعد جواز البناء على صحة عمل العامل قبل تحقّقه، فيجوز استنابته ونحوها، ولا يعتنى باحتمال بطلان عمله؛ لمناسبته للسيرة الارتكازية، بل لسيرة المتشرعة، حيث يرون أنّ الاهتمام بالفحص عن معرفة النائب لشروط العمل احتياط محض لا ملزم به“([20]).
بينما السيد البجنوردي¤ يرى أنّ قاعدة الصحة لا تجري إلا بعد وجود العمل والفراغ عنه، وبالتالي لا يعود هذا الفارق فارقاً عنده، حيث قال في القواعد الفقهية: “[المبحث] الرابع في أنّه لا يجري هذا الأصل إلّا بعد وجود الشيء، فحينئذ إذا شكّ في أنّ ما أتي به هل صحيح، أي تامّ من حيث الأجزاء والشرائط وعدم الموانع ويترتّب عليه الأثر المقصود منه، أم لا؟ فبمقتضى هذا الأصل يحكم عليه بالصحّة، ويترتّب عليه الأثر المقصود منه.
وأمّا قبل وجوده فلا معنى لأن يقال: إنّ ما يريد أن يأتي به صحيح وتامّ ويترتّب عليه الأثر… ]إلى أن قال:[ فالحقّ أنّ موطن جريان أصالة الصحّة هو بعد وجود العمل والفراغ عنه.
فالفرق بينها وبين قاعدة الفراغ في عمل النفس هو أنّ الدخول في الغير لا يحتاج إليه هاهنا، ولو قلنا بالاحتياج إليه في قاعدة الفراغ. وذلك كلّه من جهة أنّ معنى أصالة الصحّة عند العقلاء هو أنّ العمل الذي صدر عن الغير ويشكّ فيه أنّه أوجده صحيحاً وتامّاً لا خلل فيه أو ناقص غير تامّ وفيه الخلل، يبنون على صحّته وتماميّته؛ فموضوع أصالة الصحّة هو العمل الصادر عن الغير، لا الذي سيصدر، ولا الذي صدر بعضه دون بعض“([21]).
الفارق الثالث: وهو فارق من حيث الملاك في كلٍّ من القاعدتين، فملاك قاعدة الفراغ هو التوجّه والالتفات، فهي مأخوذ فيها الأذكرية كما ورد في الروايات، وهذا الملاك غير متوفّر في أصالة الصحة.
وهذا ما ذكره الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني، حيث قال: “تحقيق الكلام في الفرق بين قاعدة الفراغ وأصالة الصحة: إنّ قاعدة الفراغ وأصالة الصحة مختلفتان من حيث الملاك؛ وذلك لأنّ ملاك قاعدة الفراغ هو التوجّه والالتفات كما ورد التعبير في الروايات بالأذكرية، يعني أن يكون التفات المكلّف أثناء العمل أكثر من زمن فراغه من العمل حيث يشك في صحته، وهذا الملاك غير متوفّر في أصالة الصحة؛ حيث يمكن فيها للعمل الذي قد أُنجز أن يتّصف بأحد عنواني الصحة والفساد، إلا أنّ الشارع أو العقل قد غلّب جانب الصحّة على الفساد، حيث قال الشارع في هذا المجال: >ضعْ أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه…< ولا علاقة للأذكرية في أصالة الصحة أبداً.
وعليه فإنّ قاعدة الفراغ وأصالة الصحة وإن اشتركتا في بعض الأمور، إلا أنّهما مختلفتين من ناحية الملاك، ولم يمكنْ عدّ أصالة الصحة بمنزلة الدليل على قاعدة الفراغ“([22]).
فالصحيح أنّ أصالة الصحة تفترق عن قاعدة الفراغ، وليس أنّ قاعدة الفراغ عبارة عن صغرى ومصداق لأصالة الصحة.
المطلب الثالث: هل المراد من الصحة هي الصحة عند الفاعل أم الصحة عند الحامل (أي الصحة الواقعية)([23])؟
بعبارة أخرى: هل أنّ موضوع أصالة الصحّة هو حمل فعل الغير على ما هو الصحيح عند فاعله فيترتّب عليه آثاره إن كانت له آثار بالنسبة إلى الحامل، أو أنّ موضوعها هو حمل فعل الغير على ما هو الصحيح عند الحامل (وهو الشخص الذي يريد أن يحمل عمل الغير على الصحة)، أي على ما هو الصحيح واقعاً فيترتّب عليه آثار الواقع؟
فلو صلّى شخص صلاة الجنازة على ميّت، وشككنا في صحة هذه الصلاة وفسادها، فهل تُحمَل على ما هو الصحيح بنظر المصلّي أو على ما هو الصحيح واقعاً وبحسب تحديد الحامل للواقع؟
وثمرة ذلك([24]): في أنه لو قلنا بأنّ المراد هو الصحة الواقعية، أي الصحة عند الحامل، فإنه لابدّ في جريان القاعدة من أن يكون الحامل عالماً بأنّ الفاعل عالمٌ بالمسألة، وأنّ معتقده لم يخالف معتقده بالتباين، وأما لو قلنا بأنّ المراد هو الصحة عند الفاعل فإنه تجري القاعدة حتى في صورة علم الحامل بالمخالفة والمباينة.
فما هو الصحيح؟
اختلف الأعلام في المراد من الصحة في المقام على أقوال:
القول الأول: أنّ المراد من الصحة في المقام هي الصحة عند الفاعل. وهو ما ذهب إليه المحقّق القمي وبعض آخر، واستظهره الشيخ الأنصاري من كلام صاحب المدارك([25]).
القول الثاني: أنّ المراد من الصحة هي الصحة الواقعية، ولكن بمعنى الصحة عند الشارع، أي الصحة في نفس الأمر والواقع، وهو ما يظهر من كلام المحقّق البجنوردي([26]).
القول الثالث: وهو قول المشهور بين الأعلام وهو أنّ المراد من الصحة هو الصحة الواقعية، ولكن بمعنى الصحة عند الحامل، أي حمل فعل الغير على ما هو الصحيح عند الحامل واقعاً، لا على ما هو الصحيح عند الفاعل، ولذا يقول السيد الخوئي¤: “بأنّ المراد بالصحة في المقام هي الصحة الواقعية لا الصحة عند العامل على ما نسب إلى المحقّق القمي¤؛ وذلك لقيام السيرة على ترتيب آثار الواقع على العمل الصادر من الغير، والصحة عند العامل لا توجب ترتيب الآثار عند الحامل على الصحة، فإنّ أصالة الصحة لا تكون أزيد من العلم بالصحة، والعلم بصحة العمل عند العامل لا يوجب ترتّب الأثر عند غيره، فلو علم المأموم ببطلان صلاة إمامه باجتهاد أو تقليد، أو من جهة إخلال الإمام بها من جهة الشبهة الموضوعية، لم يجز الائتمام به وإن كانت الصلاة صحيحة عند الإمام“([27]).
وإلا لو كان المراد من أصالة الصحة هو الصحة عند الفاعل لكان الأمر سهلاً، ولا نحتاج إلى الأدلّة المذكورة على أصالة الصحة؛ إذ البناء العقلائي قائم على أنّ كلّ متعهّد بقانون -سواء كان شرعياً أم عرفياً- فإنه يُحمل على أنه قد أتى به على وفق معتقده ومذهبه، ولكن هذا لا ينفعنا في حال علمنا أو احتمالنا أنّ القانون الذي هو ملتزم به غير القانون الذي نعتقد ونقول به، كما لو كان مذهبه مخالفاً لمذهبنا([28]).
القول الرابع([29]): أنّ المراد من الصحة في المقام يختلف باختلاف الموارد، فتارة يمكن الحمل على الصحة عند الفاعل وتارة لا يمكن، وأخرى يمكن الحمل على الصحة عند الحامل وأخرى لا يمكن؛ كلٌّ بحسبه.
المطلب الرابع: أدلّة قاعدة أصالة الصحة
الدليل الأول: الإجماع المحصَّل.
قال المحقّق النراقي في عوائد الأيام: “أما الإجماع: فلأنّا نرى العلماء على ذلك متّفقين في كلّ الأعصار والأمصار، وهذه قاعدة مسلّمة مشهورة بينهم، يبنون عليها كثيراً من الأحكام“([30]).
وقال الشيخ الأعظم الأنصاري: “هو أي الإجماع مستفاد من تتبّع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة، فإنهم لا يختلفون في أنّ قول مدّعي الصحة في الجملة مطابق للأصل، وإن اختلفوا في ترجيحه على سائر الأصول كما ستعرف“([31]).
ويرد عليه([32]):
أولاً: إنّ الإجماع وإن كان مسلّماً هنا في الجملة، إلا أنّ تحصيله من تتبّع الفتاوى في جميع الموارد -حتى في العقود والإيقاعات بل المعاملات بالمعنى الأعم الشامل للطهارة والنجاسة- دونه خرط القتاد.
ولذا قال المحقّق النراقي: “إنّا لم نقف من غير بعضهم التصريح بكليّة حمل جميع أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة والصدق، وكلام الأكثرين -غير طائفة من المتأخّرين- خالٍ عن ذكر القاعدة، وإن حملوا في بعض المواضع على ذلك للدليل الخاص، وهو غير ثبوت الأصل الكلّي“([33]).
ثانياً: لو تنزّلنا وسلّمنا بحصول الإجماع في جميع الموارد، إلا أنه محتمل المدركية، فلا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم، فهو غير حجة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {أوفوا بالعقود}([34]).
وتقريب الاستدلال:
أولاً: دلّت الآية على وجوب الوفاء بكلّ عقد، بمعنى ترتيب آثار الصحّة على كلّ عقد.
ثانياً: مقتضى الإطلاق في الآية شمول الخطاب لجميع المكلّفين، فيجب على المتعاقِدَين الوفاء بالعقد، ويجب على سائر المكلّفين الوفاء بالعقد الصادر من المتعاقِدَين، بمعنى ترتيب آثار الصحة عليه.
ثالثاً: القدر المتيقّن الخارج من عموم الآية هو ما عُلم فسادُه، أما ما شُكّ في صحته وفساده فهو داخل تحت عموم الآية، فيجب الوفاء به، ويلزم ترتيب آثار الصحة عليه.
النتيجة: العقد المشكوك في صحته وفساده يُحمَل على الصحة.
ويرد على هذا الاستدلال([35]):
الإشكال الأول: أنّ الدليل أخصّ من المدّعى؛ لأنه:
أولاً: قد يقال بأنّ الخطاب مختصّ بالمتعاقدين وليس شاملاً لجميع المكلّفين.
ثانياً: لو سلّمنا كون الخطاب عاماً لجميع المكلّفين، إلا أنّ الآية مختصّة بالعقود ولا تشمل الإيقاعات.
ثالثاً: لو سلّمنا شمول الآية للعقود والإيقاعات، إلا أنها لا تشمل المعاملات بالمعنى الأعم كالطهارة والنجاسة، ونحن نروم من الاستدلال إثبات أصالة الصحة في جميع موارد عمل الغير.
الإشكال الثاني: أنّ التمسّك بالآية لإثبات صحة العقد المشكوك أو العمل المشكوك من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو غير صحيح كما ثبت في محلّه.
فإذاً، هذا الدليل الثاني غير تامّ.
الدليل الثالث: رواية حفص بن غياث عن الصادقo الواردة في قاعدة اليد: >قال له رجلٌ أرأيتَ إذا رأيتُ شيئاً في يَدَيْ رجلٍ أيجوزُ لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم. قال الرّجل: أشهدُ أنّه في يده ولا أشهدُ أنّه له فلعلّه لغيره؟ فقال له أبو عبد اللّهo: أفَيَحِلُّ الشّراءُ منه؟ قال: نعم. فقال أبو عبد اللّهo: فلعلّه لغيره، فمِن أين جازَ لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك، ثمّ تقول بعد الملْك: هو لي، وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسُبَهُ إلى مَن صار ملكه مِن قِبَلِه إليك؟ ثمّ قال أبو عبد اللّهo: لو لم يَجُزْ هذا لم يَقُمْ للمسلمين سوقٌ<([36]).
وتقريب الاستدلال:
أولاً: دلّت الرواية على ملكية المكلّف للعين التي تحت يده؛ وعلّلت ذلك بأنه لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق.
ثانياً: مقتضى التعليل الوارد في الرواية هو تعميم الحكم إلى أصالة الصحة؛ لأنها أيضاً لو لم يعمل بها لم يقم للمسلمين سوق، بل اختلال سوق المسلمين عند عدم العمل بأصالة الصحة أولى من اختلاله عند عدم العمل بأمارية اليد؛ لأنّ اختلال النظام المترتّب على عدم أصالة الصحة أشد.
النتيجة: حجة قاعدة أصالة الصحة.
ويرد على هذا الاستدلال:
أولاً: لا نسلّم بأنّ استقامة سوق المسلمين متوقّفة على العمل بأصالة الصحة؛ لأنه توجد قواعد أخرى يمكنها أن ترفع الاختلال في سوق المسلمين، بل ترفع الاختلال في نظام المسلمين ككلّ، ومع وجودها لا حاجة إلى أصالة الصحة، وبالتالي لا يمكن الاستدلال باختلال سوق المسلمين أو اختلال النظام لإثبات أصالة الصحة، والقواعد الأخرى من قبيل: قاعدة اليد، وقاعدة (كلّ ما شككت في ممّا مضى فامضه كما هو)، وقانون (لا تنقض السنّة الفريضة)، وقانون (الإقرار أو الاحترام لقوانين المذاهب الأخرى)، وقانون (من ملك شيئاً ملك الإقرار به)، وغيرها من القواعد والقوانين التي يمكن من خلالها حفظ النظام([37]).
ثانياً: لو سلّمنا بأنّه لولا قاعدة أصالة الصحة لاختل سوق المسلمين، إلا أنّ الدليل أخصّ من المدّعى أيضاً؛ إذ استقامة سوق المسلمين متوقّفة على العمل بأصالة الصحة في العقود والإيقاعات فقط، أما لو لم يُعمل بها في العبادات وفي المعاملات بالمعنى الأعم -كالطهارة والنجاسة- لم يلزم اختلال سوق المسلمين([38]).
فهذا الدليل الثالث غير تامّ أيضاً.
الدليل الرابع: السيرة المتشرّعية القطعية.
وتقريب الاستدلال:
أولاً: قامت سيرة المتشرّعة على ترتيب آثار الصحة على أعمال الناس من العبادات والمعاملات، والعقود والإيقاعات. والشاهد على ذلك: أنه في العبادات مثلاً نجد أنّ المتشرّعة في العبادات الاستئجارية يُجرون أصالة الصحّة عند الشكّ في صحة عمل الأجير، وفي المعاملات نجد أنه لا يُقدِم أحدٌ على تزويج امرأة عند احتمال كون العقد الواقع بينها وبين زوجها باطلاً، بل يرتّبون آثار الصحة على هذا العقد.
ثانياً: هذه السيرة متّصلة بزمن المعصومo، وهي تكشف عن تلّقي هذا الأمر من الشارع مباشرة.
النتيجة: حجيّة قاعدة أصالة الصحة.
وهذا الدليل تامّ على هذه القاعدة. ولكن الكلام في الصغرى، فهل المتشرّعة يعملون بأصالة الصحة بما هم متشرّعة أم بما هم عقلاء؟ فإن كانوا يعملون بها بما هم عقلاء فلابدّ من إحراز إمضاء الشارع لهذه السيرة، وهذا ما سيأتي.
الدليل الخامس: السيرة العقلائية.
وتقريب الاستدلال:
أولاً: قامت السيرة العقلائية على حمل عمل الغير على الصحة في العقود والإيقاعات وما يتبعهما من الطهارة ونحوها([39]).
ثالثاً: هذه السيرة معاصرة لزمن المعصومo.
ثالثاً: لم يردع الشارع عن هذه السيرة، فهذه السيرة ممضاة شرعاً.
النتيجة: حجيّة قاعدة أصالة الصحة([40]).
فهذا الدليل الخامس تامّ أيضاً.
المطلب الخامس: في بيان موارد جريان أصالة الصحة باعتبار العلم بحال العامل وعدمه من حيث علمه وجهله بالصحة والفساد.
فبعد أن ثبتت حجيّة أصالة الصحة في عمل الغير نسأل: هل يشترط في جريان أصالة الصحة أن يكون العامل عالماً بالصحة والفساد أو لا؟ أي هل يشترط أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية أو لا؟
توجد ثلاث صور في هذه المسألة:
الصورة الأولى: أن نعلم بأنّ العامل جاهل بالصحة والفساد، أي جاهل بالحكم الشرعي، ونشكّ في العمل الذي أتي به هل هو صحيح أو غير صحيح؟
وفي هذه الصورة لا تجري أصالة الصحة في حقّه؛ لأنّ الدليل التامّ على أصالة الصحة هو السيرة، والسيرة دليل لبّي، فلا إطلاق فيه حتى نتمسّك به، وبالتالي لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن، ولم يُحرز من السيرة أنها شاملة لهذه الصورة.
الصورة الثانية: أن نعلم بأنّ العامل عالم بالصحة والفساد وعالم بالأحكام الشرعية، ولكن نشكّ هل أتى بالعمل صحيحاً أو لا؟
وفي هذه الصورة تجري أصالة الصحة؛ وذلك لأنّ السيرة قد قامت على ترتيب آثار الصحة في هذه الصورة من دون تفحّص عن الموافقة للصحة والمخالفة لها.
الصورة الثالثة: أن نجهل حال العامل، فلا ندري هل هو عالم بالصحة والفساد أم جاهل بهما؟ لا نعلم هل هو عالم بالأحكام الشرعية أو غير عالم؟
وفي هذه الصور أيضاً تجري أصالة الصحة؛ لقيام السيرة أيضاً على ترتيب آثار الصحة من دون تفحّص عن حال العامل هل هو عالم بالحكم أو لا.
المطلب السادس: هل يشترط في جريان أصالة الصحة إحراز أهلية الفاعل أو لا يشترط؟
هذا المطلب من المطالب المهمة، وهو أنه حتى نجري أصالة الصحة في عمل الغير هل يشترط إحراز أهلية الفاعل وقابليته لهذا العمل أو لا يشترط ذلك؟
ذهب السيد الخوئي¤ وغيره -تبعاً للعلامة الحلّي¤ والمحقّق الكركي¤- إلى عدم جريان قاعدة أصالة الصحة عند الشكّ في أهلية وقابلية الفاعل، حيث قال: “والصحيح ما ذهبا ]أي العلامة والمحقّق[ إليه؛ لما ذكرناه سابقاً من أنّه ليس لأصالة الصحة دليل لفظي يتمسّك بعمومه أو إطلاقه، و لم يحرز قيام السيرة على ترتيب الآثار مع الشك في القابلية، بل المحرز قيام السيرة على عدم ترتيب الآثار معه، فإذا باع زيد دار عمرو مع الاعتراف بكونها دار عمرو، وشكّ في أنّه وكيل عن عمرو أم لا، فهل يقدم العقلاء على الشراء وإعطاء الثمن له والتصرّف في الدار؟ كلا.
وكذا إذا طلّق زيد زوجة عمرو مثلاً، فالسيرة جارية في أمثال هذه الموارد- مما شك فيه في القابلية- على عدم ترتيب الآثار، ولا أقل من الشكّ، وهو كافٍ في الحكم بعدم جريان أصالة الصحة، لعدم الدليل عليها“.
ثم ناقش السيدُ الخوئي الشيخَ الأعظم¤ فيما ذهب إليه وقال: “وأمّا ما ذكره الشيخ (قدس سره) من قيام السيرة على ترتيب الآثار على المعاملات الصادرة من الناس في الأسواق مع عدم إحراز قابلية الفاعل، فهو وإن كان مسلّماً، إلا أنّه من جهة قاعدة اليد، فإنّه لولاها لما استقام للمسلمين سوق، فلا ربط له بأصالة الصحة“([41]).
وقد نوقش السيد الخوئي¤ بعدّة مناقشات كما عن سيّد المنتقى حيث قال: “وللمناقشة فيما ذكره مجال، فإنّ السيرة قائمة على إجراء أصالة الصحة في الموارد التي لا يكون هناك أصل أو أمارة يستند إليها، كالشك في البلوغ، أو الرشد، أو في مجهولية العوضين، أو زيادة أحدهما على الآخر في المعاملة الربوية، أو وقوع الطلاق في أيام الطهر، أو حضور عدلين عند إنشائه، وغير ذلك مما لا طريق إلى إثباته من يد أو غيرها. واليد إنما تثبت المالكية، أما بلوغ البائع أو رشده فلا تقتضي شيئاً منهما، فلا وجه لما ذكره من أنّ قابلية الفاعل تحرز بقاعدة اليد. مع أنّ الشك لا ينحصر في قابلية الفاعل، إذ قد يكون في قابلية المورد“([42]).
وبتوضيح السيد منير الخباز: “ما ذكره سيد المنتقى على الأمر الثالث الذي تعرّض له، حيث أفاد بأنه لو كانت السيرة قائمة على ترتيب آثار الصحة على المعاملات عند الشك في قابلية القابل عرفاً فقط لتمّ ما ذكره، فإنّ ترتيب آثار الصحة عند الشك في قابلية الفاعل عرفاً لا يحرز استناده إلى أصالة الصحة بل لعلّه لقاعدة اليد، هذا صحيح، لكن المفروض أنّ السيرة قائمة على إجراء أصالة الصحة حتى في الموارد التي ليس فيها أصل أو أمارة تثبت قابلية الفاعل أو المورد، كالشك في البلوغ أو الرشد، فإنّ قاعدة اليد لا تثبت أنّ البائع بالغ رشيد، أو إذا شك مثلاً في صحة الطلاق للشكّ في أنه وقع في طهر لم تواقع فيه الزوجة أو لا؟ حضره شاهدان عادلان أم لا؟ فإنّ هذا ليس من الشك في قابلية المطلّق كي تحرز القابلية بأمارية اليد، وإنما هو من الشكّ في الشروط الأخرى ومع ذلك جرت السيرة على ترتيب آثار الصحة على ذلك“([43]).
وقد قَبِل السيد منير الخباز بهذه المناقشة، وذكر المناقشات الأخرى والردّ عليها، ثم خلص إلى هذه النتيجة وقال: “إنّ الصحيح هو جريان أصالة الصحة عند الشك في أهلية المتعاقدين أو قابلية المورد بالتفصيل الذي سبق وهو: أنه تارة يقع ]الشك[ في أهلية المتعاقدين عرفاً كما إذا شك في الولاية العرفية للعاقد على العقد، ]و[ كما إذا شك في الوكالة، فهنا لا نحرز جريان أصالة الصحة.
وأما إذا وقع الشكّ في الأهلية قانوناً، يعني إما بالقانون الوضعي أو الشرعي، كما إذا اشترطت الدولة في عقد النكاح أن يكون العقد بإذن الأب أو الجد أو الأخ، فهذا شرط وضعي، فلو شككنا في ذلك تجري أصالة الصحة، لأنّ الشكّ في شرط وضعي وليس الشكّ في الأهلية عرفاً، أو إذا شكّ في الأهلية شرعاً، كما إذا شكّ في البلوغ أو الرشد مثلاً بناءً على أنّ الرشد شرط شرعي لا عرفي“([44]).
فإذاً، المتحصّل هو أنه لا يشترط إحراز قابلية الفاعل وأهليّته للفعل، بلا فرق بين المعاملات والعبادات، والذي ذهب إليه السيد منير الخباز هو الذي تبنّاه أستاذه السيد السيستاني أيضاً، حيث قال: “والظاهر أنّ السيرة أو بناء العقلاء تشمل مثل ذلك، ولا يمكن التفكيك بين الشروط، ففي مثل الأمثلة المذكورة إذا شكّ الأجنبي في أهلية الفاعل أو أهلية المورد يرتّب أثر الصحة، ويتعامل معه معاملة الصحة“([45])، وقال أيضاً: “وهنا ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح([46])، من دون فرق بين شروط الفاعل وشروط المورد وشروط الفعل“([47]).
الفصل الثاني: في تطبيق أصالة الصحة على إمام الجماعة الذي يُشك في صحة قراءته في الصلاة
بعد أن أثبتنا حجيّة أصالة الصحة في عمل الغير، نأتي إلى تطبيقها على مسألتنا وهي الشكّ في صحة قراءة إمام الجماعة، فهل يصحّ الاقتداء بمن يُشكّ في صحة قراءته أو لابدّ من إحراز صحة قراءته؟ وبعبارة أخرى: هل يمكن إجراء أصالة الصحة في عمل إمام الجماعة وبالتالي يصحّ الاقتداء به في الصلاة أو لا يمكن إجراء أصالة الصحة هنا؟ وهذه المسألة تعتبر من المسائل الابتلائية لكثير من الناس كما لا يخفى.
فنقول: وقع الاختلاف بين الأعلام في هذه المسألة، فمنهم من ذهب إلى جريان أصالة الصحة وبالتالي جواز الاقتداء بهذا الإمام وإن لم تُحرَز صحة قراءته، ومنهم من ذهب إلى عدم جريان أصالة الصحة في المقام وبالتالي لا يجوز الاقتداء بهذا الإمام ما لم تُحرَز صحة قراءته.
والذين وقفت على رأيهم صريحاً هم السيد الخوئي¤ والسيد الخامنئي والسيد السيستاني، فالأولان يذهبان إلى جريان أصالة الصحة في المقام، والثالث إلى عدم جريانها، وإليك كلامهم:
أما السيد الخوئي¤ فقد أجاب في صراط النجاة بالإيجاب، حيث سئل:
“سؤال 241: هل يكفي إحراز صحة قراءة الإمام بأصالة الصحة، وعلى فرض الكفاية لو عمل بمقتضى هذا الأصل فانكشف الخطأ يقيناً فما حكم صلواته السابقة؟
الخوئي: نعم يكفي ذلك، ولا تجب الإعادة عند انكشاف الخلاف، والله العالم“([48]). ولم يعلّق الشيخ التبريزي¤ على كلامه، وهذا يعني أنه يؤيّده في هذا الرأي. وكذلك هذا هو رأي السيد القائد الخامنئي([49]).
وأما السيد السيستاني فأجاب بالنفي في الموقع في الاستفتاءات القديمة، حيث سئل:
“هل يجوز الاقتداء بمن يشكّ في صحة قراءته اعتماداً على أصالة الصحة؟
الجواب: يشكل ذلك؛ …“([50])، ثم بيّن وجهاً لعدم جريان أصالة الصحة في المقام، وسيأتي نقله بعد ذلك في طيّات البحث.
فالسؤال هنا: ما هو الوجه في جريان أصالة الصحة عند الشك في صحة قراءة إمام الجماعة، وما هو الوجه في عدم جريانها؟ وبعبارة أخرى: من أي مقدّمة يُستفاد شمول قاعدة أصالة الصحة لهذا المورد أو عدم شمولها له؟
نقول: الدليل التامّ على أصالة الصحة بحسب ما أثبتناه هو السيرة العقلائية أو المتشرّعية، وبالتالي فهل السيرة تشمل محلّ بحثنا حتى يُحكم بجواز الاقتداء بالإمام الذي يُشكّ في صحة قراءته أو لا تشمله؟ ومن المعلوم أنّ السيرة دليل لبيّ، فلابدّ فيها من الاقتصار على القدر المتيقّن، فهل هي شاملة لمورد بحثنا يقيناً أو لا؟
يمكن القول بشمول السيرة لمورد بحثنا بالدليل التالي:
المقدّمة الأولى: قامت سيرة المتشرّعة على الصلاة خلف أئمة الجماعة من دون الفحص عن صحة قراءة الإمام وعدمها، سواء أكان قبل الدخول في الصلاة أم في الأثناء أم بعد ذلك، مع أنه كان من أئمة الجماعة مَن هو مِن الأعاجم ومن الذين يُحتمل فيهم عدم صحة القراءة.
ويشهد لهذه السيرة عدّة أمور:
الأمر الأول: أنه مع وجود أئمة جماعة من الأعاجم ومن الذين يُحتمل فيهم عدم صحة القراءة لم نجد سؤالاً من أصحاب الأئمةq حول مسألة صحة الصلاة خلفهم، والحال أنهم قد لا يسمعون صوت الإمام أصلاً؛ إما لأنّ الصلاة إخفاتية، أو لأنهم في الصفوف المتأخّرة، مع أنها مسألة ابتلائية لكثير من الناس، وهذا شاهد على أنهم كانوا يُجرون أصالة الصحة في قراءة الإمام.
الأمر الثاني: الروايات الكثيرة الواردة في الحثّ على صلاة الجماعة والجمعة، والأمر بالائتمام خلف من يوثق بدينه وأمانته، حيث يقال: إنّ الحثّ على الجماعة والجمعة ممّا يتوقّف تنفيذه على إجراء أصالة الصحة في صلاة الإمام وفي قراءته، فهذه النصوص دالّة بالدلالة الالتزامية على إجراء أصالة الصحة، أو فقل بأنها بالإطلاق المقامي وعدم التنبيه على ضرورة إحراز صحة صلاة الإمام تدلّ على إجراء أصالة الصحة في قراءة الإمام.
الأمر الثالث: الروايات الواردة في تجهيز الميّت، من تغسيله وتكفينه ودفنه والصلاة عليه، ومن المعلوم أنّ تجهيز الميّت واجب كفائي على جميع المسلمين، ولكن هذه الروايات دلّت على اكتفاء المسلمين في الصدر الأول بقيام البعض بتغسيل الموتى وتكفينهم وسائر التجهيزات، والتي منها الصلاة عليهم من غير تفتيش عن صحة الغسل والكفن والصلاة والقراءة فيها، مع وجوب الغسل وسائل التجهيزات على جميعهم، فهذا شاهد على أنهم كانوا يُجرون أصالة الصحة في أعمال هؤلاء البعض، وإلا لما اكتفوا بعمل البعض من الناس.
المقدّمة الثانية: هذه السيرة متّصلة بزمن المعصومo، فهي كانت في عصر الأئمةq وبمرأى منهم.
المقدّمة الثالثة: هذه السيرة إن كانت على أساس عقلائي فهي ممضاة شرعاً؛ لعدم ردع المعصومينq عنها، وإن كانت سيرة متشرعيّة فهي مستمدّة من نفس الشارع، فلا نحتاج إلى الإمضاء حينئذٍ.
المقدّمة الرابعة: إنّ هذه السيرة لم تنشأ من التهاون في الدين حتى يقال بعد حجيّتها، بل هذه المسألة متعلّقة بالصلاة التي هي عمود الدين([51]) وقربان كلّ تقيّ([52])، والأصحاب كانوا يحتاطون في أمر الصلاة كثيراً، فلابدّ أن تكون هذه السيرة ناشئة من أمر الشارع.
النتيجة: شمول السيرة لمورد البحث وهو الشكّ في صحة قراءة إمام الجماعة، فيجوز الاقتداء به حتى قبل الصلاة أو قبل القراءة.
هذا ما يمكن أن يُستدلّ به على جريان أصالة الصحة في حال الشكّ في صحة قراءة إمام الجماعة وجواز الاقتداء به.
ويمكن المناقشة فيما أُفيد بمجموعة من المناقشات:
المناقشة الأولى: لا نحرز قيام السيرة على إجراء أصالة الصحة في هذا المورد، وأما ما ذكر من شواهد فيلاحظ عليه:
أما الأمر الأول: وهو أنه مع كثرة أئمة الجماعة الذين قد لا يجيدون القراءة لم نجد سؤالاً عن هذه المسألة مع كونها محلّ ابتلاء لعموم الناس، فهذا يعني أنهم كانوا يُجرون أصالة الصحة في قراءتهم.
فيلاحظ عليه:
أولاً: دعوى وجود أئمة جماعة كثيرين ممّن يُحتمل فيهم -احتمالاً معتدّاً به- عدم صحة القراءة هي دعوى تحتاج إلى شواهد.
ثانياً: على فرض التسليم بوجودهم، إلا أنّ عدم سؤال الأصحاب عن هذه المسألة أعمّ من إجرائهم لأصالة الصحة؛ إذ أنه لعلّهم لم يكونوا يصلّون إلا خلف مَن يطمئنّون لصحة قراءته، لا مطلقاً، ولذلك لم يسألوا عن هذه المسألة، فهم يصلّون خلفهم لأجل الاطمئنان بصحة القراءة، لا أنهم كانوا يُجرون أصالة الصحة كيفما كان ولو من دون اطمئنان، فالسيرة قامت على إجراء أصالة الصحة فيمَن يُطمأَن بصحة قراءته، لا مطلقاً.
وأما الأمر الثاني: وهو الروايات الحاثّة على صلاة الجمعة والجماعة، وأنّها تدلّ بالدلالة الالتزامية على إجراء أصالة الصحة في قراءة إمام الجماعة.
فيلاحظ عليه: بأنّ هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل هي في مقام بيان أصل استحباب صلاة الجماعة وأهميّتها. ومما ينبّه على ذلك: أنها لم تتعرّض للشرائط الأخرى ككونه طاهر المولد، أو كونه بالغاً، أو كونه رجلاً إذا كان المأموم رجلاً، مما ينبّه على أنها في مقام التعليم وليست في مقام البيان من هذه الجهة([53]).
وأما الأمر الثالث: وهو الروايات الواردة في وجوب تجهيز الميّت والصلاة عليه وجوباً كفائياً، وأنّ اكتفاء بعض المكلّفين بقيام البعض الآخر بالتجهيز شاهد على إجراء أصالة الصحة في عملهم والتي منها القراءة في الصلاة.
فيلاحظ عليه:
أولاً: أنّنا نحتمل الخصوصية في هذا المورد، فلعلّ الشارع رخّص في إجراء أصالة الصحة في مسائل تجهيز الميّت من أجل التسهيل على المؤمنين.
ثانياً: هناك قول آخر يقول بأنّ وجوب التجهيز متوجّه إلى الولي أولاً، فهو المسؤول عن صحة الأعمال، فإن لم يفعل ذلك فإنه بعد ذلك يكون واجباً على سائر المكلّفين، فلعلّ اكتفاء بعض المكلّفين بما يقوم به البعض الآخر ليس راجعاً لإجراء أصالة الصحة، بل لأنّ الوجوب ليس متوجّهاً إليهم بل للولي([54]).
النتيجة: لا نحرز قيام السيرة على إجراء أصالة الصحة في قراءة إمام الجماعة كيفما اتّفق، بل كانوا يجرونها في حال الاطمئنان بصحة قراءته، فهذا هو القدر المتيقّن من السيرة.
المناقشة الثانية: لو أبيت وقلت بأنّ السيرة قد قامت على إجراء أصالة الصحة في قراءة إمام الجماعة؛ إذ من البعيد جدّاً أن يكون الجميع لا يصلي إلا بعد الاطمئنان بصحة قراءة الإمام.
نقول: نحتمل -احتمالاً معتدّاً به- أن تكون هذه السيرة ناشئة من التهاون، وبالتالي لا تكون هذه السيرة حجة، وأما كون الصلاة من الأهمية بمكان وأنها عمود الدين وقربان كلّ تقي فهذا لا يمنع من حصول التهاون في أمرها، كما أنه يحتمل أن يكون لهذه السيرة رادعٌ من الشارع، وهي روايات تقديم الإمام الأفصح مثلاً.
المناقشة الثالثة: ما ذكره السيد السيستاني في الاستفتاء المتقدّم، وهو:
“السؤال: هل يجوز الاقتداء بمن يشكّ في صحة قراءته اعتماداً على أصالة الصحة؟
الجواب: يشكل ذلك؛ فإنّ أصالة الصحة تثبت صحة صلاته بالنسبة إلى نفسه، وهو لا يستلزم جواز الاقتداء به؛ فإنه يمكن أن تكون قراءته صحيحة بالنسبة إلى نفسه لكونه معذوراً، ولكن وباعتبار أنّ الإمام يتحمّل القراءة عن المأموم لا تكون صحيحة، فعلى المأموم إحراز صحة قراءته ولو بالاطمئنان بذلك“. فالسيد السيستاني لا يرى تلازماً بين إجراء أصالة الصحة والحكم بصحة صلاة الإمام بالنسبة إلى نفسه، وبين جواز اقتداء الآخرين به.
إن قلت: إذا أجرينا أصالة الصحة في حقّه وصحّحنا صلاته، فإنه يتنقّح لنا موضوع جواز الاقتداء به، وبالتالي يصحّ الاقتداء به.
قلت: إنّ الذي ينقّح لنا موضوع جواز الاقتداء هو العلم أو الاطمئنان بصحة صلاة الإمام، أما إجراء أصالة الصحة في حقّه من دون الاطمئنان بصحة صلاته فلا ينقّح لنا موضوع جواز الاقتداء، فلابدّ من إحراز صحة قراءته إما علماً أو اطمئناناً؛ لأنّ هذا هو القدر المتيقّن من السيرة.
خاتمة
اتّضح من كلّ ما تقدّم أنّ المدار يدور على تنقيح سعة وضيق السيرة العملية، فهل هي شاملة لمورد بحثنا -وهو الشكّ في صحة قراءة إمام الجماعة- أم ليست شاملة له؟
فالذين ذهبوا إلى إجراء أصالة الصحة في قراءة الإمام يرون بأنّ السيرة شاملة لهذا المورد، فيصحّ الاقتداء به، والذين ذهبوا إلى عدم جريان أصالة الصحة في قراءة الإمام يرون بأنّ السيرة غير شاملة لهذا المورد، فلا يصحّ الاقتداء به ما لم تُحرَز صحة قراءته.
هذا تمام الكلام في هذا البحث.
والحمد لله ربّ العالمين.
([1]) القواعد الفقهية، البجنوردي، ج1، ص25.
([2]) المعالم الجديدة للأصول، محمد باقر الصدر، ص16- 17.
([3]) مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص387- 388. ولاحظ القواعد الفقهية (منتقى الأصول)، السيد محمد الحسيني الروحاني، ج7، ص91. وراجع تقريرات أصالة الصحة لسماحة السيد منير الخباز، الدرس السادس.
([4]) موسوعة السيد الخوئي، ج39، ص274.
([5]) الكافي، الكليني، ج2، ص362، باب التهمة وسوء الظن، (ط – الإسلامية).
([6]) القواعد الفقهية في فقه الإمامية، الزارعي، ج9، ص12.
([8]) الكافي، ج2، ص164، (ط – الإسلامية).
([9]) القواعد الفقهية في فقه الإمامية، الزارعي، ج9، ص9.
([10]) تقريرات أصالة الصحة لسماحة السيد منير الخباز، الدرس الثامن.
([11]) الكافي، الكليني، ج15، ص343، (ط – دار الحديث).
([12]) القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص165. تقريرات أصالة الصحة لسماحة السيد منير الخباز، الدرس الرابع.
([13]) وهي محل مناقشة، ولكن نحن نذكرها إيجازاً من دون بيان المناقشات التي ترد عليها.
([14]) كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج1، ص202، (ط – الحديثة).
([15]) مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص389، وأشار له أيضاً في ج39، ص273- 274. تقريرات أصالة الصحة لسماحة السيد منير الخباز، الدرس التاسع.
([16]) من المناسب -فنيّاً ومنهجيّاً- أن يُطرَح هذا المطلب بعد الانتهاء من بحث أصالة الصحة وبيان حدودها وأدلّتها؛ إذ بعد ذلك يمكن تصوّر الفرق بينها وبين قاعدة الفراغ بشكل أوضح، ولكن لمّا كان ديدن العلماء أنهم يذكرون هذا المطلب في بدايات البحث فإنّنا نجري على مجراهم، والأمر سهل.
([17]) مصباح الفقيه، الهمداني،ج1، ص206.
([18]) انظر تقريرات أصالة الصحة للسيد منير الخباز، الدرس التاسع.
([19]) مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص387. القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص183.
([20]) المحكم في أصول الفقه، السيد الحكيم، ج5، ص465، الفصل الثالث في قاعدة الصحة.
([21]) القواعد الفقهية، البجنوردي، ج1، ص285.
([22]) موقع مركز فقهي أئمه أطهارq على الإنترنت، قاعدة الفراغ والتجاوز.
http://www.markazfeqhi.ir/main/books/4654-1
([23]) المشهور يعبرّون عن الصحة عند الحامل بالصحة الواقعية، ولكن يظهر من كلام المحقّق البجنوردي استعمال مصطلح الصحة الواقعية بمعنى الصحة عند الشارع، يعني الصحة في نفس الأمر والواقع؛ حيث قال: “]المبحث[ الثاني: أنّ المراد من الصحة في هذه القاعدة هل الصحة الواقعية أو الصحة باعتقاد الفاعل؟ وهناك احتمال آخر وهو أن يكون المراد منها الصحة باعتقاد الحامل“. القواعد الفقهية، البجنوردي، ج1، ص288.
([24]) منتقى الأصول، الروحاني، ج7، ص97.
([25]) القواعد الفقهية في فقه الإمامية، الزارعي، ج9، ص25- 26.
([27]) مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص391.
([28]) القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص183- 184.
([29]) القواعد الفقهية في فقه الإمامية، الزارعي، ج9، ص25.
([30]) عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، المحقّق النراقي، ص222.
([31]) فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص350.
([32]) مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص389.
([33]) عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، المحقّق النراقي، ص78.
([35]) انظر مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص390.
([36]) الكافي، الكليني، ج14، ص583.
([37]) القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص192-199.
([38]) مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص391.
([39]) موسوعة السيد الخوئي، ج39، ص273.
([40]) ولكن ناقش السيد السيستاني في ذلك بأنّ منشأ هذه السيرة العقلائية هو أنّ العقلاء لو لم يحكموا بالصحة في الأعمال الصادرة من الغير للزم اختلال النظام، فيعود الأمر إلى الاستدلال باختلال النظام، ولذا قامت سيرتهم على العمل بأصالة الصحة، وبالتالي يرد على هذا الاستدلال عينُ ما تقدّم في مناقشة الدليل الثالث؛ فلا نحرز أنّ السيرة قد قامت على الأخذ بأصالة الصحة بنحو الكليّة. القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص190.
([41]) مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج48 من الموسوعة، ص395.
([42]) منتقى الأصول، الروحاني، ج7، ص106.
([43]) تقريرات أصالة الصحة للسيد منير الخباز، الدرس الثامن عشر.
([44]) نفس المصدر، الدرس العشرون.
([45]) القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص215.
([46]) وهو عدم التفكيك بين الشروط، فقالوا بجريان أصالة الصحة مطلقاً، سواء كان الشرط المشكوك فيه من الشرائط العقلائية أم الشرائط الجعلية الشرعية، وسواء كان الشرط راجعاً إلى نفس العقد الذي هو فعل الفاعل أم كان راجعاً إلى أهلية العاقد أم كان راجعاً إلى أهلية المورد، وحكموا في جميع الموارد بجريان أصالة الصحة، وممّن ذهب إلى ذلك الشيخ الأعظم والمحقّق الهمداني في حاشيته على الرسائل. المصدر السابق، ص207.
([49]) استفتاء خاص من المكتب: “السؤال: هل يمكن إجراء أصالة الصحة عند الشك في صحة قراءة إمام الجماعة قبل الائتمام أو أثنائه، أو لا يمكن ذلك، فلا يصح الاقتداء به ما لم تحرز صحة قراءته؟ الجواب: يمكن الاقتداء في مفروض السؤال”.
([51]) عن جابر عن أبي جعفرo قال: >الصلاة عمود الدّين مَثَلُهَا كمَثَل عمود الفُسْطاط إذا ثبت العمودُ ثبت الأوتادُ والأطنابُ وإذا مالَ العمودُ وانكسرَ لم يثبت وتدٌ ولا طُنُب<، وسائل الشيعة، ج4، ص27، باب تحريم الاستخفاف بالصلاة والتهاون بها.
([52]) عن أبي الحسن الرّضاo قال: >الصّلاةُ قربانُ كلّ تقيّ<. الكافي، الكليني، ج3، ص265، (ط – الإسلامية).
([53]) القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص200. تقريرات أصالة الصحة للسيد منير الخباز، درس 14.
([54]) القواعد الفقهية، السيد السيستاني، ص200.
إرسال تعليقاتكم واقتراحاتكم