الدلالة السياقية : السيد منير الخباز

الدلالة السياقية : السيد منير الخباز

 

 

المدخل:

لا ريب في أهمية الدلالة السياقية في تحديد المعاني الفردية والتركيبية، و يتجلى ذلك في عدة موارد:

المورد الاول: ان دور السياق قد يكون تشكيل مانع من احراز اطلاق الخطاب، وقد يكون تشكيل  قرينة على تحديد المراد منه.

 وبيان ذلك: ان الطريق المحاوري المتعارف بين الناس ان يلحق المتكلم بكلامه ذيلا يشكل قرينة عليه او صارفاً لظهوره، او يضع في سياق كلامه قبلاً او بعداً ما يحقق ذلك، فان كان هذا اللفظ الوارد صدراً او ذيلاً واضح الدلالة على المقصود منه كان قرينة على المراد، مثلاً عندما نقرأ صحيح الحلبي المتعلق بالنيابة نجد أنه ذكر لفظا مطلقا يدل على صحة النيابة في الحج، قال عليه السلام  “وَ إِنْ كَانَ مُوسِراً وَ حَالَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْحَجِّ مَرَضٌ أَوْ حَصْرٌ  أَوْ أَمْرٌ يَعْذِرُهُ اللَّهُ فِيهِ- فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ صَرُورَةً لَا مَالَ لَهُ” ، فقد يتصور ان مقتضى اطلاقه شموله للكافر بحيث يصحّ نيابة المسلم عن الكافر.

 و لكن اقتران السياق بقوله او “امر يعذره الله فيه” وقوله في الجملة السابقة على هذه الجملة “فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام” يشكل قرينة واضحة على نظر الرواية للمسلم، اذ الكافر لا يمنعه من الحج الا كفره، لا امر يعذره الله فيه، كما انه ان مات ولم يحج فهو تارك لاصل الاسلام، لا لشريعة من شرائعه فهنا يشكل السياق قرينة.

 وان لم يكن اللفظ واضح الدلالة بل كان محتملاً احتمالاً عرفياً لما ينسجم مع الاطلاق فالسياق المقترن به لا يشكل قرينة على المراد، وانما يشكل مانعاً من احراز الاطلاق، مثلاً معتبرة محمد بن مسلم حديث 5 باب 28 من ابواب وجوب الحج عن “مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَ لَمْ يُوصِ بِهَا أَ يُقْضَى عَنْهُ قَالَ نَعَمْ” .

فان قوله “ولم يوص” وان كان ظاهراً في النظر للمسلم، حيث لا يوصي الكافر بالحج عنه عادة، ولكن بما ان اللفظ سالبة محصلة تصدق حتّى مع انتفاء الموضوع فهو يحتمل احتمالاً عرفياً الاطلاق بحيث يشمل الكافر الذي قد يوصي ولده المسلم بالحج عنه اعتقاداً او رجاءً ولو كان ذلك فرداً نادراً وقد لا يوصي، فيكون السياق المقترن بهذا اللفظ من صغريات احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية عليه المانع من احراز اطلاقه، حيثُ إنَّ من مقدمات الحكمة المانعة من الاطلاق عدم نصب قرينة على الخلاف، واللفظ المذكور مانع من احراز عدم نصب القرينة.

 وأوضح منه ما عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: ” قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ مَنْ حَجَّ فَجَعَلَ حَجَّتَهُ عَنْ ذِي قَرَابَتِهِ يَصِلُهُ بِهَا- كَانَتْ حَجَّتُهُ كَامِلَةً وَ كَانَ لِلَّذِي حَجَّ عَنْهُ مِثْلُ أَجْرِهِ- إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَاسِعٌ لِذَلِكَ” [1].

حيث يقال بانّ قوله و كان للذي حج عنه مثل اجره ظاهر في ان المنوب عنه اهل لأن يؤجر، و حيثُ إنَّ الكافر ليس اهلاً للأجر فهذه العبارة صارفة للرواية عن شمولها للكافر، الا ان قوله بعد ذلك ان الله عزوجل واسع لذلك قد يحدث احتمال الاطلاق في قوله “وكان للذي حج عنه مثل اجره” بحيث يشمل الكافر فان سعة رحمته تعالى تشمل المسلم والكافر معاً فيقال بان احتفاف السياق بمثل ذلك من قبيل احتفاف السياق بما يصلح للقرينية الموجب لاجمال الخطاب من حيث شموله للكافر و عدمه.

المورد الثاني: قد يكون السياق قرينة على تحديد المراد الاستعمالي، و قد يكون قرينة على تحديد المراد الجدي، فاللفظ ان كان مردداً عرفاً بين المتباينين مفهوماً وورد في سياق معين فان السياق قد يعين المراد الاستعمالي منه ضمن تحديده المراد الجدي، مثلاً لفظ “ما لا يطيقون” الوارد في حديث “رفع عن امتي” يحتمل في نفسه ان المراد به ما لا قدرة عليه، و يحتمل ان المراد منه ما يشق على الانسان فعله، الا ان وروده في سياق الامتنان الوارد في حديث الرفع قرينة على ان المراد منه فرض المشقة الشديدة لا العجز والا لكان ارتفاع التكليف في فرض العجز عقلياً لا امتنانياً.

 كما ان لفظ الميت والميتة المردد في نفسه بين من تلبس بالحياة ثم فقدها وبين من ليس حياً مع قابليته للحياة، حيث ورد في روايات نجاسة الميتة وغسل المس لجسد الميت هذا اللفظ، وسياق تلك الروايات قرينة على كون المراد الاستعمالي منه ما فقد الحياة بعد تلبسه بها لا مطلق ما ليس حياً، فلا شمول فيه للجنين الذي سقط قبل ولوج الروح فيه.

  فإن المرتكز العرفي لم ينعقد على  قرينية السياق مطلقاً، وإنما قام على قرينية السياق على المراد الجدي بالاصالة كسائر القرائن العرفية النوعية، ولكن هناك موضعان يتدخل السياق في تحديد المراد الاستعمالي فيهما أيضا:

الأول: أن يكون المراد الاستعمالي مجملاً فهنا يؤثر السياق في تحديده ضمن المراد الجدي كما في المثال السابق وهو مالا يطيقون.

الثاني: أن يتكفل السياق تحديد المراد الاستعمالي ابتداءً لكن بماهو طريق لتحديد المراد الجدي كما سيأتي التمثيل له  باتحاد فقرات حديث الرفع في الموضوع.

المورد الثالث: قد يحتاج لقرينية السياق لتعيين أصل المعنى كالنصوص السابقة الواردة في النيابة في الحج الظاهرة بوضوح في نظرها للمنوب عنه المسلم، وقد نحتاج له لتحديد نوع المعنى كتحديد ان الرفع في حديث الرفع أي “رفع عن امتي ما لا يعلمون” بعد الفراغ عن كونه رفعا للحكم هل هو رفع ظاهري او واقعي، وقد يحتاج اليه في تحديد مصداق المراد الجدي كالبحث في ان المصداق للمراد الجدي من قوله ما لا يعلمون هل هو الفعل الذي لا يعلم بقرينة سياق باقي الفقرات الظاهرة في الفعل الخارجي كقوله ما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه فلا شمول في هذه الفقرة للشبهة الحكمية، ام  المصداق أوسع من ذلك؟

و قد يحتاج للسياق في تحديد سعة المراد الجدي وضيقه كالبحث في ان المرفوع في قوله “رفع القلم عن ثلاث” هل هو مطلق قلم التشريع ام خصوص قلم الالزام.

 ولأجل أهمية هذه البحوث فصّلنا الكلام في الدلالة السياقية و حجيتها فنقول:

هنا عدة جهات:

الجهة الأولى: في تعريف الدلالة وما يتفرع عليها

الدلالة عبارة عن خطور المعنى في ذهن المتلقي لخطور سببه سواء كان السبب لفظاً ام فعلاً ام امراً خارجياً، كدلالة العلامات والاشارات في الطرقات على معانيها، وللدلالة عدة تقسيمات:

الأول: تقسيمها بلحاظ منشأها، وبهذا اللحاظ يقال ان الدلالة قد تكون ظهوراً و قد تكون صراحة و نصوصية، و هنا يأتي السؤال، هل المدار في ذلك على العامل اللغوي، وهو احتمال اللفظ في نفسه لمعنى اخر غير ما ينسبق منه وعدم احتماله، حيث يعبر عن الأول بالظاهر و عن الثاني بالنص، ام المدار في هذا التقسيم على مجموع القرائن العرفية نوعية او شخصية ؟

 اذا رجعنا الى الكلمات فان ظاهر كثير منها هو الأول أي انقسام اللفظ الى صريح و ظاهر في نفسه و مقتضاه كون الظهور امرا نسبيا لاختلاف الأشخاص في وجدان احتمال الخلاف و عدمه مع ان اتصاف اللفظ بالظاهر و الصريح وصف ثابت له وليس امرا نسبيا ولذلك قد يصار بلحاظ هذا الاشكال الى القول الثاني.

و لكن الصحيح ان التقسيم للظاهر و الصريح تارة بلحاظ نفس الدلالة، و أخرى بلحاظ الحجية، فاذا نظرنا الى الدلالة نفسها مع غمض النظر عن كونها حجة ام لا، فاللفظ في نفسه مع قطع النظر عن سائر الضمائم من سياق او ارتكاز او حالٍ او استعمال مما لا ينقسم لظاهر و صريح لأنّه ان كان موضوعاً للمعنى كان نصاً فيه، وإلا فلا دلالة له عليه بنفسه، واما الدلالة التي يكتسبها من الضمائم فهي نسبية لا حقيقية اذ تختلف باختلاف الأشخاص والظروف.

و اذا نظرنا للدلالة بما هي موضوع للحجية فلابد من الرجوع فيها الى المرتكز العقلائي لنسأل هل ان موضوع الحجية لديهم الظهور الذاتي ام الظهور الموضوعي، فان قيل بالاول كما يبدو من بعض علماء الأصول بذريعة ان الحجية مساوقة للاحتجاج على المتكلم بظاهر لفظه وانما يصح الاحجاج عليه بظاهر لفظه بما ينقدح في ذهنه من اللفظ لا بما ينقدح في ذهن غيره حتّى يصح الاحتجاج عليه، فالنتيجة هي كون الظهور والصراحة امراً نسبياً يختلف باختلاف الأشخاص والاحوال، بينما مؤدى السيرة العقلائية القائمة على احتجاج المتكلم على السامع واحتجاج السامع على المتكلم ان موضوع الاحتجاج امر ثابت لا يختلف باختلاف الأشخاص والظروف ولذلك قد يحتجون على الفاظ اوقاف واقارير وقضايا ومعاملات مضت عليها قرون مع ورود الاختلاف.  

وان قيل بالثاني أي ان المدار على الظهور الموضوعي – كما هو الصحيح – كان المناط على توافر القرائن العرفية النوعية و الشخصية فاذا اجتمعت في مورد بالنسبة للفظ او فعل او حال او جملة تركيبية بحيث يحصل الوثوق بالمراد و يتضائل احتمال الخلاف الى ان يصل الى حد موهوم لا يعتنى به كان ذلك صراحة و نصوصوية، وان لم يصل الى هذا الحد ولكنه كان مستنداً لما يوجب رجحانه على احتمال الخلاف كان ظاهرا واظهر.

والمتلخص من ذلك انه اذا كان المدار في الحجية على الدلالة المستند للقران العرفية اوجب ذلك ان يكون اتصاف اللفظ او الفعل بالظهور والصراحة اتصافاً ثابتاً لا يختلف باختلاف الأشخاص والاحوال لان القرائن النوعية لا تختلف.

التقسيم الثاني: تقسيم الدلالة بلحاظ الموضوع أي ما هو محل الدلالة الى قسمين عقلية و خطابية.

و تنقسم الدلالة العقلية وهي الانتقال للمعنى بواسطة قضية عقلية مرتكزة الى نوعين دلالة الاقتضاء و هي ما يتوقف صحّة مضمون الكلام على تقديره شرعا او عقلاً او عادة نحو واسأل القرية بتقدير واسأل اهل القرية، ونحو الى ربها ناظرة، بتقدير الى رحمة ربها، لتوقف صحّة الكلام على ذلك التقدير.

النوع الثاني لوازم الكلام و هي عبارة عن انتقال الذهن الى اللوازم غير البينة لمضمون الكلام ويجمع النوعين الانتقال الى المعنى بواسطة قضية عقلية غير عرفية، سواء كان الانتقال الى ملزومات المضمون او لوازمه فالخطاب دال على معناه المطابقي و خطور المعنى المطابقي مستلزم لخطور لازمه او ملزومه غير البين بمقتضى الملازمة لذلك كانت الدلالة العقلية مغايرة للدلالة الخطابية.

الدلالة الخطابية و هي ما كان محلها خطاباً حيث يتصف الخطاب بكونه دالا على المعنى المنظور و هذه الدلالة يمكن تصنيفها الى صنفين: دلالة لفظية و دلالة سياقية، فالدلالة اللفظية هي التي تعرض لها علم المنطق و علم الأصول و تم تقسيمها لمطابقة و تضمن والتزام، و الكلام فعلا في الدلالة السياقية فما هو تعريفها و ما هي اقسامها:

الجهة الثانية: في تعريف الدلالة السياقية وما يتفرع عليها

 وهذا يتضمن أموراً:

الامر الأول: السياق هو عبارة عن وجود جامع بين عدة مداليل سواء كان ذلك الجامع هو الورود في خطاب واحد ذي غرض معين، او كان الجامع هو الورود في كلام ذي محتوى واحد، او كان ذلك الجامع عبارة عن اشتراك محمولات في موضوع واحد، او موضوعات في محمول واحد، او كان ذلك الجامع هو الاسناد في جملة واحدة، والدلالة الناشئة عن هذا الجامع هي ما يعبر عنها بالدلالة السياقية.

الامر الثاني: ان البحث عن تأثير الدلالة السياقية انما هو في فرض اجمال فقرة من حيث المراد الجدي لتردده بين عام وخاص او متباينين، واما مع وضوح مدلول جميع الفقرات و انه على وفق السياق او على خلافه فان هذا خارج عن البحث موضوعاً، كما لو فرض ورود فقرة تدل على التحريم بالصراحة في ضمن فقرات تدل على الندب لاشياء أخرى فان سياق الندب هنا لا أثر له في رفع دلالة فقرة التحريم على معناها.

الامر الثالث: ان السياق من القرائن النوعية ولذلك لو قامت قرينة شخصية على خلافها كانت حاكمة عليها لحكومة النظر الشخصي على النظر النوعي مثلاً لو فرضنا انّ سياق آية التطهير (إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنكمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا  )  دال على إرادة نساء النبي (صلى الله عليه واله)، الا ان قيام النص الحاسم للموضوع الدال على إرادة الخمسة الاشباح وارد على مقتضى الدلالة السياقية فلا يصار عرفا للاخذ بالسياق مع حكومة القرينة الشخصية عليه.

الامر الرابع: قد يكون للسياق مدلول تراكمي باعتبار ان السياق أنواع فهناك سياق عام وهو سياق الخطاب، وهناك سياق خاص وهو سياق الجملة المؤتلفة موضوعا او محمولا، وهناك سياق اخص وهو سياق الجملة الواحدة، و بالتالي فقد تجتمع في الجملة الواحدة تراكم سياقات يؤثر السابق منها على اللاحق.

الامر الخامس: سوف يتضح بالبحث ان هناك سياق خطاب يرشد الى وجود غرض جامع بين مطالب هذا الخطاب وهناك سياق الكلام الدال على اشتراك الجمل في وجه الكلام، لان للكلام وجوها ككونه مدحا او ذما او وصفاً او رثاءً وهناك سياق الاسناد، والبحث فيه في كونه قرينة على المراد الجدي في طول تحديد المراد الاستعمالي من ناحيتين:

 الف: اثبات أصل المراد الجدي.

 باء: اثبات تفاصيل المراد الجدي لان تفاصيل المراد الجدي على أنواع مصداق المراد الجدي، نوع المراد الجدي، جهة المراد الجدي من حيث صدوره على نحو الجد وبيان الواقع او عدمه، حدود المراد الجدي من حيث السعة والضيق.

 فكل هذه النواحي قد يعول على السياق في الوصول اليها، هذه هي الجهة الثانية فيما يتعلق بالدلالة السياقية.

الجهة الثالثة: في اقسام السياق

 السياق ينقسم الى قسمين: سياق مجموعي و سياق افرادي

السياق المجموعي هو عبارة عن اشتراك نصين او حديثين مختلفين من حيث المجلس حيث صدر كل منهما في مجلس منفك عن الآخر في رابط معين بان يكون بين هذين الحديثين رابط معنوي معين، و هذا السياق المجموعي يتصور على نحوين:

 الأول: سياق افتراضي

الثاني: سياق فعلي

والسياق الافتراضي هو عبارة عن تقدير سياق لروايات مختلفة في مجلس الصدور من أجل جعل احد النصين قرينة على الآخر.

 و هذا الذي نعبر عنه بالسياق المجموعي الافتراضي مغاير لاستنباط معنى معين من مجموع نصوص نظير استنباط مدة الحمل من الآيتين المباركتين وهما قوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) وقوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) فان استنباط اقل مدة الحمل بالجمع بين الايتين ليس من قبيل السياق الافتراضي بان يفترض الايتين واردتين في مجلس واحد ثم يصار الى تحديد المراد بناءً على تقدير  السياق وافتراضه، بل استفادة اقل الحمل من هاتين الايتين من باب الدلالة العقلية و هي الاخذ بلوازم الكلام.

 ومن هذا القبيل أيضاً ما يعبر عنه بروح الكتاب او روح السنة وهو عبارة عن ان يستنبط الفقيه او المفسر من مجموع نصوص ترتبط بمحور واحد مضمونا واحدا كما لو استنبط من مجموع الآیات القرانية مضمونا معينا وهو ان للإنسان في حد ذاته كرامة وحرمة بحيث لو ووردت علينا رواية مخالفة لهذا المعنى المستفاد من مجموع آيات القران لقلنا انها مخالفة للكتاب عرفا كالراوية الناهية عن الزواج من الكرد حيثُ إنَّها منافية لروح الكتاب وهو كرامة الانسان، هذا ما يتعلق بالسياق المجموعي.

والسياق الافتراضي: له صورتان:

الأولى السياق العرفي وهو ما اذا كان القائم بتقدير السياق هو العرف نفسه فان العرف اذا تلقى نصين يقوم بجبلته بفرض ورودهما في كلام واحد ليرى انهما في فرض ورودهما في كلام واحد هل ان احدهما يصلح قرينة على الآخر ام لا، و هذه هي صورة السياق العرفي حيث يكون احد النصين ناظرا الى الآخر اما نظرا موضوعيا كالدليل الوارد والدليل الحاكم المتصرف في موضوع الدليل الآخر سعة او ضيقاً والحاكم المتصرف في موضوع الدليل الآخر سعة او ضيقاً فان ذلك موجب لرؤيته عرفا في سياق الدليل المورود والمحكوم او يكون نظر احد الدليلين للآخر نظرا حكميا كما في النصين المختلفين في الحكم المتحدين في الموضوع فان احدهما يقدم على الآخر اذا كان اخص منه حيثُ إنَّ الاخصية منشأ عرفا لنظر الخاص للعام او لكونه اظهر منه، وقد افاد المحقق النائيني (قده) ان المناط في تقديم الاظهر على الظاهر هو السياق التقديري الافراضي بمعنى انهما لو جمعا في دليل واحد لرؤيا متلائمين و كلامه يرشد الى انّ باب قرينية احد النصين المختلفين من حيث المجلس على الآخر هو من صغريات السياق الافتراضي بل ما يريد ان يقوله المحقق النائيني هو انّ سائر القرائن ترجع الى السياق اما سياق فعلي او سياق تقديري.

الصورة الثانية السياق التبرعي وهو ما لا يستند الى احد الضوابط السابقة، ومنه الجمع بين ما ورد “ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْتِ” وما ورد “لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَذِرَةِ” بحمل المجوز على عذرة مأكول اللحم، وحمل المانع على عذرة غير مأكول اللحم، بدعوى ان كلاً منهما نص في القدر المتيقن منه و القدر المتيقن من المجوز هو عذرة ما يؤكل و القدر المتيقن من المانع هو عذرة ما لا يؤكل فيقال بأنّ نصية كل منهما على القدر المتيقن منه قرينة على الآخر، ولكنّ ذلك لو عرض على العرف لم يجده بمستوى القرينية فلا محالة تقدير سياق يجمع هذين الخطابين لا يفضي الى رؤية التلائم والانسجام بينهما ليكون احدهما قرينة عرفية على الآخر.

اما السياق الأفرادي فهو عبارة عن جامع دلالي بين عنصرين فأكثر في خطاب واحد متصل.

الجهة الرابعة: في أنواع السياق الأفرادي

النوع الأول سياق الخطاب

وهو عبارة عن اتحاد فقرات مختلفة موضوعاً و محمولاً في مجلس واحد او ما بحكم المجلس الواحد كالسورة القرانية مثلاً فان السورة القرانية قد يكون بعض آياتها مكيا وبعضها الآخر مدنياً، او تنزل آياتها في ازمنة متفرقة ولكن جمعها في سورة واحدة اذا كان صادرا عن امضاء المعصوم فهو بمثابة المجلس الواحد، كما في خطب الإمام امير المؤمنين (عليه السلام) او النبي (صلى الله عليه واله) او السور القرانية كسورة المؤمنين، حيثُ إنَّ الآیات الواردة في هذه السورة مثلاً كانت ذات غرض واحد وهو الحديث عن المؤمنين، وهذا ما يعبر عنه بسياق الخطاب، و هو اعم أنواع السياق لأنّه تندرج فيه مطالب عديدة و محتويات منوعة يجمعها مجلس واحد او ما بحكمه.

و عند مراجعة المرتكزات العرفية يتبين لنا ان هذا النوع من السياق لا يفيد الا اشتراك جميع المطالب في غرض واحد، كغرض مدح المؤمنين او غرض الموعظة او غرض بيان التشريعات كما في خطب النبي (صلى الله عليه واله)، و من الواضح ان اتحاد الفقرات المختلفة في غرض واحد لا يشكل قرينة على تحديد المراد الجدي من كل فقرة او من كل اسناد ضمن الفقرة الواحدة.

النوع الثاني سياق الكلام او سياق الجمل

 وهو عبارة عن اجتماع جمل مستقلة موضوعاً و محمولا في جامع مشترك وهو محتوى واحد او غرض واحد، فمضافاً الى الوحدة في مجلس الخطاب الذي هو موضوع النوع الأول من السياق يتحقق في هذا النوع الثاني اشتراك الجمل المتعددة في محتوى واحد او غرض واحد، فمثال ذلك ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) (قِتَالُ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ أَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ‌)، فهذه ثلاث جمل مختلفة موضوعا و محمولاً، ولكن قد يقال بان لها سياقا يشكل قرينة على المراد الجدي من بعضها فيقال بما ان الجملة الأولى والثانية تفيدان الحرمة التكليفية أي حرمة إراقة الدم و حرمة الغيبة فالجملة الثالثة مفادها حرمة اتلاف مال المسلم، وليس مفادها الحكم الوضعي المتمثل بضمان المال بعوض عند اتلافه، ببيان ان سياق الكلام بعطف الجملة اللاحقة على السابقة ظاهر في اتحادهما في المعنى الخاص، و لكن هذا ليس صحيحا فان ورود هذه الفقرات حديثا عن مورد معين وهو المؤمن غاية ما يدل عليه هو اتحادها في غرض معين وهو بيان كرامة المسلم لدى الشارع المقدس، وهذا لا يقتضي الا اتحاد هذه الفقرات في جامع وهو ما يؤدي لتحقيق هذا الغرض من دون ان يعين السياق المعنى الخاص لاي من الفقرات ما دام المعنى الظاهر بدواً لا يتنافى مع الغرض الجامع لهذه الفقرات المختلفة.

 ويتفرع على هذا السياق نوع آخر من المدلولات فانه اذا كان المتكلم بصدد غرض معين او الحديث عن مورد معين فمقتضى ذلك ان لا ينتقل من جملة الى أخرى الا اذا كان بين الجملتين مشاكلة واشتراك في الجامع المؤدي للغرض المعين وهو في المثال السابق شمول معنى الجملة الثالثة لحرمة اتلاف المال لا اختصاصها باتلاف المال.

والنتيجة ان غاية ما يقتضيه سياق الكلام ان بين الجملتين تناسباً وانسجاما اما لوجود معنى خاص مشترك بينهما كما في قوله عزوجل (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا) الظاهر في ان الجامع المشترك بينهما هو بيان المغايرة بين البابين، لا ان المراد بالحلية و الحرمة في كل منهما واحد بحيث لو كان المراد من الحلية في البيع الحلية الوضعية فهي كذلك في الربا ولو كان المراد من الحلية في البيع ما يجمع الحليتين التكليفية والوضعية فهي كذلك في الربا او بالعكس فان هذا مما لا يدل عليه السياق، او لوجود جامع بين المعنيين كما في قوله تعالى (الذين هم في صلاتهم خاشعون ( 2 ) والذين هم عن اللغو معرضون ( 3 ) والذين هم للزكاة فاعلون) فان غاية مفاد سياق هذا الكلام اشتراك آية الصلاة وآية الزكاة في انهما وصف للمؤمن بانه متلبس بالعبادة، سواء كانت عبادة عملية كالصلاة او مالية كالزكاة واما ان المراد بالزكاة في هذه الآية الزكاة المفروضة في الموارد التسعة فهذا مما لا يثبته سياق الكلام، بل لعل المراد بالزكاة مطلق الضريبة المالية الشاملة للصدقة المندوبة.

 وقد يكون مفاد الجملة الثانية انها اعم مدلولاً من الأولى فيكون عطفها عليها من باب عطف العام على الخاص، مثلاً آية الخمس وردت في سياق كلام متمثل في جو القتال والحرب وهذا اقتضى سؤالاً وهو هل ان هذا السياق يفيد اختصاص الخمس بغنيمة الحرب ام لا، الجواب ان سياق الكلام لا يحدد المدلول الخاص كما سبق وخصوصا في الآية بلحاظ ان سياق الكلام في هذه الآیات متفرع عن سياق الخطاب و قد سبق ان ذكرنا في بعض المحاور السابقة انه قد تكون الجملة الواحدة مورداً لتراكم سياقات بمعنى ان معنى الجملة الواحدة يتأثر بسياق الكلام وسياق الكلام يتأثر بسياق الخطاب الذي هو اسبق منه رتبة، وهذا ما هو منطبق على محل الكلام، فان آيات هذه السورة واردة بصدد غرض معين وهو المطالبة بدعم الكيان الإسلامي بالانفس في الجهاد وبالاموال في تغطية حاجات المجتمع حيث قال عزوجل (وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دونِهِم لا تَعلَمونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم ۚ وَما تُنفِقوا مِن شَيءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يوف اليكم وانتم لا تظلمون) وتفرع عن سياق الخطاب المزبور سياق الكلام فجاءت اية تتحدث عن ضرورة الثبات في القتال من أجل دعم الكيان الإسلامي فقال (اذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وجاءت اية الخمس تصب في هذا المحور وهو دعم الكيان الإسلامي دعماً مالياً وذلك بإخراج الخمس من أي مغتم سواء كان غنيمة حرب او كسب من عمل فهناك جامع بين الجمل وهو ورودها في سياق غرض واحد وهو دعم الكيان الإسلامي بالانفس والأموال، وبهذا يكون المعنى المستفاد من الجملة الثانية وهو اية الخمس اعم من الأولى المتعرضة للقتال ولا دلالة للسياق على اختصاص الثانية بغنيمة الحرب مادام المعنى اللغوي والعرفي لغنم يشمل كل ربح وفائدة، وهو ما يعبر عنه بان خصوص المورد لا يخصص الوارد.

 و قد تكون العلاقة بين الجملتين الواردتين في سياق الكلام ان الثانية بمثابة التعليل للاولى كما في اية التطهير حيث وردت ضمن الآیات الحاثة على أهمية تنزيه نساء النبي انفسهن عن الذنوب والمعاصي حيث قال (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) وغاية ما يقتضيه سياق الكلام انّ معنى اية التطهير ليس مغايرا لما قبله لا ان المعنى الخاص وهو المتقوم بوحدة الموضوع والمحمول فيهما واحد، وانما لما كانت هذه الآیات بصدد غرض معين وهو الحديث عن كرامة ونزاهة بيت النبي (صلى الله عليه وآله) والبيت يتكون من نسائه وأهله الذين هم لحمته و دمه كما عبرهم عنهم النبي (صلى الله عليه وآله) فمن أجل تحقيق الغرض من هذا الكلام اتى بجملة تخاطب نساء النبي في قوله (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) بلحاظ ان في تقواهنّ مزيدا في كرامة بيت النبي، ثم فصل التقوى باوامر عديدة واتى بجملة أخرى هي بمثابة العلة للجملة الأولى فافاد انه انما امرناكن بالتقوى والاحتياط الشديد الذي لا نأمر به غيركن لوجود ارتباط بينكن وبين اهل بيت النبوة فقوله تعالى انما يريد الله لفظ مشتمل على الحصر بلحاظ ما بعده أي لا يريد باهل البيت غير الطهارة، وبمثابة التعليل بلحاظ ما قبله أي ان العلة في امر نساء النبي بالتقوى لا لأجل انهما مثال من امثلة النساء المؤمنين بل لارتباطهن بمن أراد الله عصمتهم وطهارتهم من كل رجس والمناسب لطهارة اهل البيت من كل رجس طهارتهم حتّى من الرجس والعيب العرفي وهو ما يحدث عند ممارسة بعض نساء النبي ما لا يليق بكونها عضوا من أعضاء هذه المجموعة المشتملة على بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ونسائه، كما يشهد باختلاف الموضوع في اية التطهير مع ما قبلها اختلاف الضمير حيث كان يعبر بنون النسوة ثم عبر بضمير المخاطب الاعم، فان المرتبط ببيت الطهارة الذاتية يتعين عليه ان يكون متصفا بالطهارة العملية.

والمتلخص من البحث ان سياق الكلام لا يعين المعنى الخاص بل غاية ما يدل عليه وجود اشتراك بين الجمل في غرض معين او جامع او تعليل ونحو ذلك.

النوع الثالث: سياق الاسناد

أي اسناد المحمولات لموضوع واحد او الموضوعات لمحمول واحد، وهذا السياق على نحوين:

 الأول: هو اشتراك عدة قضايا في موضوع واحد كما في اية الكرسي حيث قال (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُو َ العَلِيُّ الْعَظِيمُ )

فالموضوع اللفظي في هذه الآیات واضح وهو الله عزوجل وقد اسند للموضوع الواحد عدة محمولات وهذا يختلف عن وحدة الجمل في محور واحد كما سبق في النوع الثاني وهو سياق الكلام فان اكتشاف وحدة المحور قد تكون بملاحظة مجموع القرائن بينما في النوع الثالث من أنواع السياق وهو سياق الاسناد الذي هو عبارة عن اشتراك محمولات عديدة في موضوع واحد يكون المنظور الموضوع الواحد لفظاً، وهذا من مصاديق السياق الاسنادي الدال على ان الموضوع واحد من حيث المراد الجدي ولكن بلحاظ المحمول فان غاية ما يدل عليه وجود جامع بين هذه المحمولات العديدة لا ان المراد الجدي من المحمولات المتعددة المتشركة في موضوع واحد واحد، نعم يدل على وحدة الوجه لهذه الجمل كما مر علينا ان من مداليل سياق الكلام وحدة الوجه فلو كان الوجه في اغلب هذه المحمولات هو المدح او الذم او التشريع او الوصف كان وجهاً مشتركا بين المحمولات المتعددة المشتركة في موضوع واحد.

النحو الثاني: ان تشترك موضوعات عدة في محمول واحد كما في حديث الرفع حيث ورد عن رسول الله صلّى الله عليه و آله: انه قَالَ ” رُفِعَ عَنْ امَّتِي تِسْعٌ الخَطأُ، وَ النِّسْيَانُ، وَ مَا اكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَ مَا اضْطُرُّوا إلَيْهِ، وَ الحَسَدُ، وَ الطِّيَرَةُ، وَ التَّفَكُّرُ فِي الوَسْوَسَةِ فِي الخَلْقِ مَا لَمْ يُنْطَق بِشَفَةٍ وَ لَا لِسَانٍ”.

ويمكن تصنيف هذا النحو الى صنفين:

الصنف الأول: ان يكون المحمول واحداً بالشخص

ونذكر له مثالين:

الأول صحيح الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: “سَأَلْتُهُ عَنِ الْفِرَاءِ وَ السِّنْجَابِ وَ السَّمُّورِ وَ الثَّعَالِبِ وَ أَشْبَاهِهِ قَالَ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ”.

حيث قد يقال كما ذكر المحقق النائيني (قده) في رسالته في اللباس المشكوك ص 70 انّ السياق في الرواية هو سياق التقية، لان جواز الصلاة في جميعها مذهب العامة ومقتضى ذلك حمل الترخيص في الصلاة في السنجاب على التقية أيضاً مما يعني ان اتحاد الموضوعات في محمول قرينة سياقية على وحدة المراد الجدي من المحمول او وحدة الجهة.

وقد يشكل على ذلك بالنقض والحل:

 اما النقض فبما ذكره المحقق النائيني (قده) في فوائد الأصول في بحث التعادل والتراجيح انه اذا تعارض العامان من وجه نحو “اغْسِلْ ثَوْبَكَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ” ونحو “كل شيء يطير فلا بأس ببوله و خرئه” حيث يتقابلان في بول الطير الذي لا يؤكل لحمه كالغراب ولم يكن بينهما جمع عرفي مثلاً ووصلت النوبة لمرجحات باب التعارض، فهل تشمل المرجحات تعارض العامين من وجه ام لا ؟

 فهنا ذكر المحقق النائيني (قده) تفصيلاً وهو ان المرجح الصدوري كالشهرة و صفات الراوي لا يشمل العامين من وجه اذ لازم شموله العامين من وجه التبعيض في السند بان يقال ان سند العام غير المشهور ولنفترضه هنا هو ” اغْسِلْ ثَوْبَكَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ” غير تام في موطن التعارض بتقديم المشهور عليه، ولكنه تامّ في موطن الافتراق، و التبعيض في السند مستهجن عرفا بان يكون صدور هذا العام وهو قوله “اغْسِلْ ثَوْبَكَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ” تاماً بلحاظ مورد الافتراق وهو ما لا يؤكل لحمه من غير الطيور وغير تام في موطن الاجتماع وهو ما يؤكل لحمه من الطيور.

واما المرجح الجهتي فيمكن ان يشمل العامين من وجه، فيقال ان اصالة الجهة لا تجري في العام الموافق للعامة في موطن التعارض كأن يقال في المقام ان قوله ” كُلُّ شَيْ‌ءٍ يَطِيرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ” بلحاظ موافقته للعامة فليس مجرى لاصالة الجهة في موطن التعارض وهو بول الطير الذي لا يؤكل لحمه، و لكن هذا العام مجرى لاصالة الجهة في موطن الافتراق وهو ما يطير مما يؤكل لحمه.

 والسر في الفرق بين المرجحين ان المنظور في المرجح الصدوري هو النقل والنقل لا يقبل التبعيض، بينما المنظور في المرجح المضموني كموافقة الكتاب او المرجح الجهتي كمخالفة العامة هو  المحكي والمنقول، والمحكي امر قابل للتبعيض بان يقال هذا المحكي وهو طهارة مدفوع الطير موافق للعامة في الطير الذي لا يؤكل لحمه فليس مجرى لاصالة الجهة في هذا القسم ولكنه مجرى لاصالة الجهة في القسم الآخر وهو مدفوع الطير الذي يؤكل لحمه.

وبالتالي فبناء على ما ذكره المحقق النائيني في باب التعادل والتراجيح فأي مانع من ان يقال في المقام أي في قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي لا بأس بالصلاة فيه مجرى لاصالة الجهة بلحاظ فقرة السنجاب لعدم المعارض لهذه الفقرة في النصوص الأخرى وليس مجرى لاصالة الجهة بلحاظ بقية الفقرات لوجود النصوص المعارضة لها.

اذن فما ذكره المحقق النائيني في المقام من ان السياق قرينة على انّ قوله لا بأس بالصلاة فيه بلحاظ السنجاب محمول على التقية وليس مجرى لاصالة الجهة مخالف لما ذكره في تعارض العامين من وجه من ان العام مورد لاصالة الجهة في موطن الافتراق وليس موردا لاصالة الجهة في مورد الاجتماع، فاذا كان التفكيك ممكنا وعرفيا فأي مانع من ان يقال في المقام ان قوله لا بأس بالصلاة فيه بلحاظ فقرة السنجاب مجرى لاصالة الجهة وليس مجرى لاصالة الجهة بلحاظ بقية الفقرات هذا من جهة النقض.

اما الحل فقد افاد سيدنا (قده) في موسوعته الفقهية ج 12 ص 194 ان اخبار الراوي بالجواب بقوله “قال لا بأس بالصلاة فيه” ينحل الى اخبارات عديدة بعدد الموضوعات بحيث يكون كل خبر منها موضوعاً مستقلا لاصالة عدم الخطأ واصالة الحس واصالة الجد والجهة وسائر الأصول المحاورية، وسقوط بعضها لوجود المعارض لا يفضي بسقوط الجميع، ففي صحيح الحلبي يكون قوله لا بأس بالصلاة فيه موضوعا مستقلاً لأصالة الجهة دون بقية الفقرات.

ولكن يلاحظ على ما افاده (قده) ان انحلال الجملة الواحدة لموضوعات انما يتم في الحيثيات الحقيقية المتعددة وجداناً، لا في الحيثيات المتعددة تحليلاً، فمثلا اذا اخبر الراوي بالعام نحو قول الإمام “اغْسِلْ ثَوْبَكَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ” و سكت عن ذكر المخصص المتصل لهذا العام، فهنا قد اخبر الراوي بحيثيتين متعددتين حقيقة في اخباره، احداهما العام الذي شهد به الراوي شهادة لفظية وهو قوله “اغْسِلْ ثَوْبَكَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ”، وثانيهما عدم المخصص المتصل الذي يشهد به الراوي شهادة سكوتية وكل منهما موضوع في نفسه لاصالة الجد والجهة، فاذا تعارض العامان من وجه وكان احدهما في مورد الاجتماع موافق للعامة نحو قوله ” كُلُّ شَيْ‌ءٍ يَطِيرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ” جرت اصالة الجهة في العام نفسه، أي قوله “كُلُّ شَيْ‌ءٍ يَطِيرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ” ولم تجرِ الشهادة السكوتية ـ وهي الشهادة بعدم المخصص لتقدم العام المخالف عليه ـ في مورد الاجتماع لمخالفته للعامة، فان منشأ تعارض العامين من وجه في مورد الاجتماع هو الشهادة السكوتية بعدم المخصص المتصل والا فالعامان في انفسهما ليسا متعارضين وانما التعارض ينشأ من شهادة الراوي بعدم المخصص المتصل، فاذا سقطت اصالة الجهة في الموافق للعامة كقوله ” كُلُّ شَيْ‌ءٍ يَطِيرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ” تعيّن ترجيح الآخر عليه في المورد نفسه.

والخلاصة ان التفكيك في العامين من وجه في جريان الأصل المحاوري هو تضمن العام لجهتين متعددتين عرفا فاذا كان متضمنا لجهتين متعددتين كان التفكيك عرفيا بان يكون الكلام الواحد بلحاظ العام نفسه مجرى لاصالة الجهة و بلحاظ الشهادة السكوتية وهي الشهادة بعدم المخصص المتصل لا يكون مجرى لاصالة الجهة.

و كذلك الامر في صحيح البزنطي عَنْ أَ بِي الْحَسَنِ ع “فِي الرَّجُلِ يُسْتَكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ- فَيَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ وَ صَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ- أَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ‌”.

حيث يقال ان جواب الإمام (عليه السلام) متضمن لجهتين متعددتين حقيقة و هما نقل الحديث المتضمن للكبرى عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وتطبيقه على مورد السؤال، وبلحاظ الجهة الأولى اي بلحاظ ما ينقله عن النبي (صلى الله عليه وآله) تجري اصالة الجهة فيه اذ لا موجب للتقية في نقل الكبرى عن النبي دون الثانية اي تطبيق الكبرى على مورد السؤال بلحاظ ان نفوذ الحلف في حد نفسه حال الاختيار مذهب العامة، والا فعند الخاصة فان الحلف في  نفسه مع غمض النظر عن الاستكراه ليس نافذاً.

فلذلك صح التفكيك فيقال من جهة تضمن النقل للكبرى هو مجرى لاصالة الجهة ولا تقية فيه، وحيثية تطبيق هذه الكبرى على مورد الكلام وهو من حلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك ليس مجرى لاصالة الجهة بلحاظ اختلاف العامة و الخاصة في ذلك.

هذا كله فيما يرتبط بصحة التفكيك في الكلام الواحد اذا كان متضمناً لجهتين متعددتين حقيقة.

واما في المثال وهو ان الصادر من الإمام (عليه السلام) جملة واحدة وهي لابأس في الصلاة فيه وهي ناظرة للعناوين المذكورة في السؤال وهم الثعالب والسنجاب و غيرهما، فلا يصح ان تجري فيه اصالة الجهة بلحاظ عنوان وهو السنجاب و لا تجري في غيره وهو الثعالب و غيره لمجرد وجود المعارض فان انحلال هذه الجملة لاخبارات عديدة انحلال تحليلي لا وجداني وبالتالي فلا تعدد حقيقة في هذا الاخبار كي يكون مجرى لاصالة الجهة بلحاظ بعض العبارات دون بعض.

 ونظير المقام ما لو شهدت البينة بنجاسة الثوب او الاناء و تبين عدم الجد في الاخبار عن نجاسة الثوب فان الوجدان العرفي يتوقف في جريان اصالة الجد في الاخبار بنجاسة الاناء.

والنتيجة هي عدم عرفية ماذكره النائيني من التفصيل بين المرجح الصدوري والمرجح الجهتي في تعارض العامين من وجه بالبناء على التبعيض في المرجح الجهتي بين موطن الافتراق وموطن الاجتماع دون المرجح الصدوري، الا اذا تعددت الجهات في الخبر الواحد والجملة الواحدة تعددا حقيقيا لا تحليليا فلا فرق بين المرجح الصدوري والمرجح الجهتي من هذه النحاية فانه اذا تضمن الخبر الواحد حيثيتين متعددتين حقيقة صحّ حينئذٍ التبعيض فيه بلحاظ المرجحات من دون فرق بين المرجح الصدوري والمرجح الجهتي وان لم يتضمن حيثيتين متعددتين حقيقة فلا يصح التفكيك فيه بلحاظ اي مرجح من المرجحات خلافاً لسيدنا (قده) الذي لم يفرق بين المرجحات في صحّة التبعيض.

وبناءً على ذلك فقد يقال في مقابل كلام المحقق النائيني من ان قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي لا باس بالصلاة فيه ليس مجرىً لاصالة الجهة بلحاظ السنجاب باعتبار انّ السياق وهو كون الترخيص في البقية صادرا على سبيل التقية لكونه هو المعروف بين العامة كلام صناعي ولا يرد عليه النقض بما ذكره في العامين من وجه.

والسر في ذلك انه في العامين من وجه حيثُ إنَّ العام متضمن لحيثيتين متعددتين حقيقة وهما العام المشهود به شهادة لفظية و عدم المخصص المتصل المشهود به شهادة سكوتية صح التفكيك فيه بلحاظ المرجحات وبلحاظ جريان اصالة الجهة.

 و اما في محل الكلام فحيثُ إنَّ قوله لاباس بالصلاة فيه ليس متضمنا لحيثيات متعددة حقيقة لم يكن مجرى لاصالة الجهة بلحاظ فقرة السنجاب وليس مجرى لها بلحاظ الفقرات الاخرى.

 كما اننا لو التزمنا بصحة التفكيك في الجملة الواحدة من حيث جريان اصالة الجهة في مورد الافتراق و عدم جريانها في مورد الاجتماع فهذا انما هو الحكم الاولي، واما لو قام السياق على خلافه فنفس السياق قرينة على عدم صحّة التفكيك، فلو خُلينا نحن والجملة الواحدة لقلنا بامكان التفكيك، واما اذا قام السياق قرينة على ان الموضوعات المتحدة في محمول واحد متحدة في الجهة فاما ان تكون مجرى لاصالة الجهة في الجميع او ليست مجرى لاصالة الجهة في الجميع والتفكيك في المحمول الواحد بلحاظ بعض الموضوعات دون بعض بلحاظ جريان اصالة الجهة فيه مناف لقرينة السياق وان كان عرفيا في نفسه لولا قرينة السياق.

نعم ينبغي ان يقال في المقام ان سياق التقية ـ على فرض التسليم به ـ مانع من اجراء اصالة الجهة في قوله لا باس بالصلاة فيه بلحاظ فقرة السنجاب لا انه قرينة على صدور هذه الفقرة على سبيل التقية، ففرق بين كون السياق مانعا من جريان اصالة الجهة وبين كونه قرينة على صدوره على سبيل التقية.

 فالنتيجة التي وصلنا اليها ان الموضوعات المتحدة في محمول واحد من صغريات السياق الاسنادي، والسياق الاسنادي ان لم يكن قرينة على وحدة هذه الموضوعات من حيث الجهة فلا اقل من انه مانع من التفكيك بينها بلحاظ جريان اصالة الجهة.

هذا كله في المثال الاول.

المثال الثاني:  ما هو مطروح في الأصول في بحث دلالة الامر على الوجوب وهو قوله اغتسل للجمعة والجنابة حيثُ إنَّ هنا موضوعين متحدان في محمول واحد وهو مطلوبية الغسل، فهل يستفاد من سياق وحدة المحمول ان غسل الجمعة واجب لكون غسل الجنابة كذلك ام بالعكس ؟

 و من أجل بيان ما هو الصحيح نتعرض للآراء في دلالة الامر على الوجوب:

الراي الأول: ان صيغة الامر وضعت للوجوب، وبناء على ذلك اما ان يكون اللفظ وهو قوله اغتسل مستعملاً في الوجوب والاستحباب من باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى، و هذا وان لم يكن مستحيلا الا انه خلاف الظاهر، واما ان يكون المستعمل فيه فعل الامر هو طبيعي الطلب الا ان المراد الجدي منه بلحاظ الجنابة هو الوجوب، و بلحاظ الجمعة هو الاستحباب، وأيضاً استعمال ما هو موضوع للوجوب في طبيعي الطلب خلاف الظاهر يحتاج الى القرينة.

الراي الثاني: ان يكون المستعمل فيه والموضوع له كلاهما هو الطلب و استفادة الاستحباب من دال اخر كتصريح المولى بالترخيص في الترك كما أن استفادة الوجوب من الإطلاق اللفظي الذي يرجع لدلالة سياقية محصلها أن ما لم يذكره المولى في كلامه فليس مراما له وان ما ذكره في كلامه تمام مرامه وهذا يعني أن المولى يريد الطلب  على كل حال من دون  قيد وهو مساوق لإرادة الوجوب.

الراي الثالث: ما يراه سيدنا (قده) من ان المستعمل فيه الامر دائما هو طبيعي الطلب والوجوب والندب ليسا من المعاني المبرزة باللفظ، لكي نبحث هل ان المستعمل فيه هو الوجوب ام الجامع بين الوجوب والندب، فان الوجوب والندب حكمان عقليان لا علاقة لهما بعالم اللفظ فان صدر طلب من المولى عزوجل والحقه بترخيص في الترك حكم العقل بالندب والا حكم العقل بالوجوب، فالواجب عبارة عن حكم العقل بلزوم الانبعاث عن بعث المولى مالم يرخص في تركه.

وبعد عرض الآراء الثلاثة يتبين لنا أنّ ما هو المناسب لمورد البحث هو الراي الأول، فانه بناء على استعمال اللفظ وهو فعل الامر في معنيين فان هذا مناف للسياق حيثُ إنَّ ظاهر اتحاد الموضوعين في محمول واحد ان المراد الاستعمالي من هذا المسند الواحد واحد.

 كما ان دعوى ان المستعمل فيه واحد وهو طبيعي الطلب الا ان المراد الجدي منه متعدد مناف أيضاً لقرينة السياق، حيثُ إنَّ السياق وهو سياق اتحاد الموضوعين في محمول واحد ان المحمول واحد من حيث المراد الاستعمالي لا لموضوعية فيه بل بما هو طريق للمراد الجدي.

والنتيجة هي دلالة وحدة السياق على المراد الجدي عبر دلالته على وحدة المراد الاستعمالي.

و اما على الرأيين الاخرين ففعل الامر لم يستعمل الا فيما وضع له وهو طبيعي الطلب وهذا لا يتنافى مع سياق الاسناد لان سياق الاسناد يقتضي وحدة المستعمل فيه بما هو طريق للمراد الجدي، وحيثُ إنَّ المستعمل فيه هو طبيعي الطلب واستفادة الوجوب والندب من دال اخر او حكم العقل فذلك مما لا يتنافى مع قرينية السياق.

وقد يمثل لسياق الاسناد بحديث الرفع، وجهة التمثيل به تارة يرجع للنحو الأول وهو الاتحاد في الموضوع و أخرى ما يرجع للنحو الثاني وهو الاتحاد في المحمول فهنا جهتان في حديث الرفع

الجهة الأولى: التمثيل به للوحدة في الموضوع  حيثُ إنَّ قوله (صلى الله عليه وآله) “وضع عن امتي مَا لَايَعْلَمُونَ، وَ مَا لَايُطِيقُونَ، وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ، وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ” جملٌ متعددة ولكنها متحدة في موضوع واحد وهو الاسم الموصول المعبر عنه بـ “ما”، وبما ان المراد بالموصول في قوله ما اضطروا اليه و ما لا يطيقون وما استكرهوا عله هو الفعل الخارجي لأنّه هو الذي يتعلق به الاضطرار والاكراه فلا محالة يكون المراد بالموصول في ما لا يعلمون هو الفعل الخارجي الذي لا يعلم عنوانه كما لو شك في ان الترجيع غناء او لا، او لا يعلم حكمه كالشك في حكم التدخين على نحو الشبهة الحكمية، والاستناد الى السياق في المقام لإثبات وحدة المراد الجدي من الموضوع بإحدى نكتتين:

الأولى: ان يستند الى وحدة المحمول كقرينة سياقية على وحدة المراد الجدي من الموضوع، حيثُ إنَّ المحمول في حديث الرفع وهو الرفع، فيستفاد من وحدة المراد الجدي للمحمول القرينية وهو كون المراد الجدي من الموضوع واحداً، و قد سبق في النحو الأول من سياق الاسناد ان غاية ما يدل عليه وحدة احد الطرفين هو وجود جامع بين مصاديق الطرف الآخر يتناسب مع وحدة المحمول، واما ان المراد الجدي من الطرف الآخر واحد فهذا ما لا تقتضيه وحدة السياق بهذه النكتة، و هي نكتة الانتقال من وحدة المحمول الى وحدة المراد الجدي للموضوع.

و النكتة الثانية ان يكون المقصود هو الاستناد لسياق وحدة الموضوع لإثبات وحدة المراد الجدي منه، فيقال مع غمض النظر عن وحدة المحمول فان اتحاد الجمل في موضوع واحد قرينة سياقية على وحدة المراد الجدي منه.

وقد يعلق على ذلك بأحد وجهين:

 الف: ان السياق غاية ما يقتضي وحدة المراد الاستعمالي، أي ان المستعمل فيه الموصول في جميع الجمل واحد وهو الشيء ولا يقتضي السياق وحدة المراد الجدي فلعل المراد الجدي من قوله ما اضطروا اليه هو الفعل والمراد الجدي في قوله ما لا يعلمون هو الحكم المجهول.

باء: ان سياق الاسناد المتحقق في الوحدة في الموضوع او المحمول او كليهما يقتضي وحدة المراد الجدي أيضاً، لانّ كاشفية سياق الاسناد عن وحدة المراد الاستعمالي للموضوع لا لموضوعية فيه بل بما هو طريق للمراد الجدي، فيقال ان اتحاد الجمل في موضوع واحد كالاسم الموصول في المقام قرينة سياقية على وحدة المراد الاستعمالي من الموضوع الواحد بما هي طريق لاستفادة وحدة المراد الجدي منه.

 الا ان ذلك لا يجدي في المقام اذ البحث في الحقيقة في مصداق المراد الجدي لا نفس المراد الجدي، ففي المقام اتحاد الجمل في الموضوع الواحد وهو الموصول قرينة سياقية على وحدة المراد الاستعمالي منه وهو الشيء بما هو طريق لتحديد المراد الجدي منه وهو الشيء الموجب لمعذورية المكلف، من جهل او اضطرار او اكراه او عدم اطاقة، فغاية ما يثبت بذلك ان المراد الجدي الشيء الموجب للمعذورية، ولكن مصداقه في فقرة ما اضطروا اليه هو الفعل المتعلق للاضطرار، كما ان مصداقه في قوله واما استكرهوا عليه هو الفعل المتعلق للاكراه، الا ان هذا لا يُعيّن ان مصداق المراد الجدي في ما لا يعلمون هو الفعل، فلعل مصداق المراد الجدي منه هو الحكم، حيثُ إنَّ اختلاف الفقرات في مصداق المراد الجدي لا يوجب اختلافا في نفس المراد الجدي كي يكون منافيا لوحدة السياق.

وبذلك يتبين لنا امران:

الأول: ان قرينية سياق الاسناد على وحدة المراد الاستعمالي لا لموضوعية فيه بل بما هو طريق للمراد الجدي و بالتالي فاستفادة المراد الجدي من المراد الاستعمالي لا من باب اصالة التطابق منفصلاً عن الدلالة السياقية كي يقال بان هذا التحليل اجنبي عن بحث القرينة السياقية، بل ان قيام السياق على تحديد ان المراد الاستعمالي من الموضوع واحد طريق عرفي لتحديد ان المراد الجدي من الموضوع واحد.

الامر الثاني: ان الدلالة السياقية ليست من القرائن العرفية على تحديد مصداق المراد الجدي بل غايتها تحديد أصل المراد الجدي، واما تحديد المصداق فهو يتوقف على قرائن أخرى.

الجهة الثانية: هي التمثيل بحديث الرفع لاتحاد الموضوعات في محمول واحد وهو عنوان الرفع

 والبحث في الاستفادة من الدلالة السياقية في تحديد المراد الجدي من المحمول يقع في ضمن مطالب ثلاثة: تحديد نوع المدلول، تحديد سعته، تحديد جهته

المطلب الاول: تحديد نوع المدلول

ان يراد الاستفادة من الدلالة السياقية في تحديد نوع المدلول لعنوان المحمول، مثلا يقع البحث في عنوان الرفع الواقع في حديث الرفع هل ان المراد به هو الرفع الواقعي ام الظاهري.

 وبعبارة اخرى هل يقتضي السياق ان يكون الرفع في ما لا يعلمون رفعا واقعيا ام ان الرفع ظاهري بلحاظ ان الرفع في البقية واقعي بمعنى عدم فعلية الحكم في فرض الاضطرار او الاستكراه او النسيان، فهل الرفع كذلك في ما لا يعلمون بمعنى عدم فعلية الحكم حال الجهل به لكون العلم بالجعل شرطا في فعلية المجعول، ام ان الرفع فيها ظاهري بمعنى رفع وجوب الاحتياط ؟

فهنا قد يقال بان مقتضى السياق الاسنادي وهو وحدة الموضوعات في محمول واحد ان المحمول من نوع واحد وهو الرفع الواقعي حيثُ إنَّ المراد الجدي هنا في بقية الفقرات هو الرفع الواقعي فكذلك في فقرة ما لا يعلمون.

 ولكن في مقابل هذا المدعى دعويان:

الدعوى الاولى: ان اختلاف الرفع وانقسامه الى واقعي و ظاهري ليس اختلافا في ذات الرفع ولا اختلافا في المرفوع، اما الرفع فهو في كلا النوعين شرعي، بمعنى عدم انقداح الإرادة اللزومية على طبق الحكم، واما المرفوع في الجميع فهو الحكم غاية الامر ان فعلية الحكم لها مراتب، منها عدم شموله من الاصل في فرض الجهل، وهو ما يعبر عنه بالرفع الواقعي، و منها عدم شموله لحال الشك اي عدم انقداح الإرادة اللزومية على طبقه في هذا الفرض، وهو فرض الشك، فالاختلاف في الرفع بين الواقعي و الظاهري ليس انقساما لذات الرفع فهو شرعي في الجميع وليس انقساما في ذات المرفوع فهو عبارة عن عدم انقداح الإرادة على طبق الحكم اما بمعنى عدم انقداح الإرادة على طبقه من الاصل او عدم انقداح الإرادة اللزومية على طبقه في فرض الشك.

 و انما انقسام الرفع للواقعي و ظاهري لامر خارج عن الرفع والمرفوع وهو لحاظ حال المكلف فان لوحظ المكلف بما هو هو عبر عن الرفع بانه واقعي وان لوحظ بما هو شاك عبر عن الرفع بانه ظاهري، والا فلا انقسام في ذات الرفع او المرفوع للرفع الواقعي او الظاهري.

 وبالتالي يقال لم يقم ارتكاز عرفي على قرينية السياق الاسنادي لتحديد نوع المدلول اذا كان اختلاف نوعه ناشئاً عن عامل خارجي لا عن نفس مدلول اللفظ كما هو في المقام فان غاية ما يدل عليه السياق الاسنادي وحدة المراد الجدي من المحمول واما تحديد نوعه الناشيء عن عامل خارجي فلا يقتضيه السياق الاسنادي في شيء.

الدعوى الثاني: على فرض تسليم ان القرينة السياقية دالة على تحديد ما هو نوع الرفع في المقام وان الرفع فيما لا يعلمون واقعي الا ان هناك دليلا حاكما عليه وهو ان ظاهر ادلة الامر بالتعلم وهي ما رواه الشيخ عن مسعدة بن زيادة: “في قوله تعالى «فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ»‌  ” أنّ اللّٰه تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أ كنت عالما، فإن قال: نعم، قال له: أ فلا عملت بما علمت، و إن قال: كنت جاهلا قال: أ فلا تعلّمت حتى تعمل فيخصمه، فتلك الحجّة البالغة ” وكذلك الاوامر الواردة بالاحتياط عند الشبهات ثبوت حكم فعلي في حق الجاهل، فهذه الادلة بمثابة القرينة الخاصة الموجبة لرفع اليد عما تقتضيه القرينة النوعية وهي قرينية السياق و نتيجة ذلك حمل الرفع في ما لا يعلمون على الرفع الظاهري.

هذا هو المطلب الأول.

المطلب الثاني: تحديد سعة المحمول وضيقه

في تحديد سعة المحمول و ضيقه، ويمكن التمثيل له بمثالين مثال في الفقه وهو قوله (صلى الله عليه وآله) من احيا ارضا فهي له .  حيث يقع البحث ان المراد بالمحمول هنا الملكية ام المراد بالمحمول هنا حق الاولية بالتصرف ما دامت الارض محياة، وهذا مبني على ان لا يكون للام ظهور في الملكية والا لو كان للام ظهور في الملكية انتفى البحث.

فاذا قلنا بان اللام قد تستعمل في الملكية و قد تستعمل في الاولوية استعمالا شائعا وحصل تردد في ما هو المراد في المقام فقد يقال بان القدر المتيقن هو ثبوت الاولوية بالتصرف واما ثبوت الملكية فهي درجة اكمل و اقوى من ثبوت الحقية بمعنى ان النسبة بينهما نسبة الاقل والاكثر او المرتبة الضعيفة للمرتبة الشديدة، حيثُ إنَّ هناك جامع بنيهما وهو الولاية على التصرف اما لثبوت حق او لثبوت ملك فهل يمكن تعيين المرتبة الشديدة بالسياق ام لا ؟

وهناك مثال عقدي وهو الرجوع الى اية الولاية وهي قوله عزوجل (انَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) حيثُ إنَّ لفظ الولي محمول واحد لموضوعات ثلاثة الله ورسوله واللذين امنوا فهل يستفاد من قرينية السياق في المقام ان الولاية الثابتة للذين امنوا وهو امير المؤمنين (عليه السلام) هي الولاية الشاملة للولاية التشرعية و التكوينية كما ثبت هذا النوع من الولاية لله وللرسول ام لا، والنسبة هنا بين الولاية التشرعية و التكوينة بحسب النظر العرفي ليست نسبة الاقل والاكثر كما سبق في المثال الاول بل نسبة الفردين المتغايرين لعنوان الولاية وبعبارة جامعة هل يمكن ان يستفاد من قرينية السياق تحديد سعة المحمول وضيقه سواء كانت النسبة بين الضيق والسعة نسبة الاقل والاكثر  او نسبة المتباينين.

اما المثال الاول، وهو قوله عليه السلام “من احيا ارضا ميتة فهي له” فقد يقال بان مقتضى السياق وهو سياق اشتراك موضوعات عديدة في محمول واحد كما في رواية السَّكُونِيِّ “عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ غَرَسَ شَجَراً أَوْ حَفَرَ وَادِياً بَدْءاً لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ قَضَاءً مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صلى الله عليه واله”، أنّ المقصود من قوله فهي له مرتبة الملكية باعتبار ان من غرس شجرا كان مالكا لذلك الشجر وان لم يكن مالكا للارض، فيستفاد من قرينية سياق اتحاد الموضوعات المتعددة في المحمول الواحد انّ هذا المحمول وسيع يشمل المرتبة الاكمل وهي ثبوت الملكية بقرينة ان بعض هذه الموضوعات مما ثبتت فيه الملكية شرعا.

وقد يمنع من ذلك لاحد وجهين:

 أولاً ان يقال بما ان النسبة بين حق الأولوية بالتصرف والملكية نسبة الأقل للاكثر، فهناك جامع عرفي بين المرتبتين الا وهي السلطنة على التصرف، وبالتالي فغاية ما يستفاد من اشتراك الموضوعات في محمول واحد هو ان المحمول هو الجامع العرفي وهو السلطنة على التصرف، واما استفادة هذه الدرجة من السلطنة الا وهي الملكية فهذا يحتاج الى قرينة خاصة.

وثانياً قد يقال ان هناك قرينة في رواية أخرى وهي رواية عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ ” قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ أَرْضاً مَوَاتاً تَرَكَهَا أَهْلُهَا فَعَمَرَهَا وَ أَكْرَى أَنْهَارَهَا وَ بَنَى فِيهَا بُيُوتاً وَ غَرَسَ فِيهَا نَخْلًا وَ شَجَراً قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَهِيَ لَهُ وَ عَلَيْهِ طَسْقُهَا يُؤَدِّيهِ إِلَى الْإِمَامِ فِي حَالِ الْهُدْنَةِ فَإِذَا ظَهَرَ الْقَائِمُ ع فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ”، ان هنا في هذه الرواية قرينة خاصة على ان المنظور هو ثبوت الحق لا الملكية وهي قوله فليوطن نفسه على ان تؤخذ منه.

اما المثال الثاني وهو المثال العقدي المتمثل باية الولاية (انَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )، بتقريب ان اشتراك الموضوعات في محمول واحد قرينة سياقية على ان المحمول وسيع يشمل سائر الافراد حيث ثبت ان الولاية في الموضوع الأول وهو الله تعالى وفي الموضوع الثاني وهو الرسول (صلى الله عليه وآله) تشمل الولاية التشريعة والتكوينية وان كان بينهما تغاير عرفي بقرينة السياق يثبت ان المحمول بالنسبة للموضوع الثالث وهو الذين امنوا أي الإمام امير المؤمنين (عليه السلام) وسيع يشمل الولاية التشريعية والتكوينية.

 وهذا خروج عما تقتضيه نسبة المحمول للموضوع، حيث ذكر في علم الأصول أنّ الجمل الحملية لا يستفاد من اطلاق المحمول فيها شمول المحمول لجميع افراده بنحو العموم الاستغراقي، فمثلاً اذا قيل زيد كاتب فلا يستفاد من اطلاق المحمول هنا ان جميع أنواع الكتابة ثابتة لزيد، او اذا قيل بكر شاعر فلا يستفاد من اطلاق المحمول هنا ان جميع أنواع الشعر ثابتة لبكر، وانما غاية ما يستفاد من المحمول ثبوت طبيعي الكتابة او الشعر له.

 والسر في ذلك ان الجملة الحملية ليست في مقام البيان من جهة المحمول لإثبات العموم الاستغراقي لجميع افراده المتغايرة عرفاً، وانما هي في مقام بيان نسبة المحمول للموضوع، لا في مقام بيان المحمول في نفسه، لذلك فليس مقتضى اطلاق المحمول ثبوته بجميع افراده للموضوع.

 هذا هو مقتضى القاعدة الأولية.

ولكن قد يخرج عن مقتضى هذه القاعدة بقرينة السياق، فيقال ان قرن اللذين امنو بالله والرسول مع ان الولاية الثابتة لله وللرسول شاملة للولايتين التكوينية و التشريعية قرينة سياقية على ان المراد بالولاية في الموضوع الثالث ما يشمل الولايتين أيضاً.

ولكن قد يجاب عن ذلك بما ذكرناه في المثال الأول بان غاية اشتراك الموضوعات في محمول واحد إرادة طبيعي المحمول، واما إرادة العموم الاستغراقي من المحمول بحيث يشمل جميع افراده فلم يقم مرتكز عرفي على قرينية السياق لمثل هذا المقدار.

والمثال المرتبط بمحل كلامنا وهو الاستفادة من حديث الرفع في هذه الجهة أيضاً ان يقال بان الفقرات الأخرى في حديث الرفع هل تشمل الاحكام الوضعية ام تختص بالاحكام التكليفية،  بناءً على ان المرفوع في حديث الرفع هو الحكم وليس المؤاخذة، فقد ذكر في البحث عن مفاد حديث الرفع ان مقتضى الاطلاق في قوله ” رُفِعَ عَنْ امَّتِي تِسْعٌ الخَطأُ، وَ النِّسْيَانُ، وَ مَا اكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَ مَا اضْطُرُّوا إلَيْهِ، وَ الحَسَدُ، وَ الطِّيَرَةُ، وَ التَّفَكُّرُ فِي الوَسْوَسَةِ فِي الخَلْقِ مَا لَمْ يُنْطَق بِشَفَةٍ وَ لَا لِسَانٍ ” هو شمول المرفوع للحكم التكليفي والحكم الوضعي بلحاظ ان مقتضى قرينية الامتنان هو شمول المرفوع لهما، غاية ما في الباب ان هناك تفصيلاً بين صور ثلاث:

الصورة الأولى: ان يكون الحكم الوضعي ثابتاً لامر خارجي لا ربط له بالفعل الاختياري للمكلف، مثلاً ملاقاة الجسم للنجاسة برطوبة مسرية موجبة لتنجس الجسم سواء كان بدنا او لباسا، فهذا النوع من الاحكام لا يرتفع بحديث الرفع، لأنّه ليس حكما مترتبا على فعل المكلف الذي يقع موردا للاكراه او الاضطرار او الخطا او النسيان، وانما هو حكم مترتب على الملاقاة بما هي ملاقاة، كما لو كان بفعل الريح او الهواء، و كذلك الجنابة فان التقاء الختانين بما هو موضوع للجنابة وليس حكم الشارع بالجنابة مترتبا على فعل صادر للمكلف كي يكون مشمولاً لحديث الرفع.

 فهذا السنخ من الاحكام خارج موضوعا عن حديث الرفع لان حديث الرفع ناظرٌ لما يصدر من المكلف عن اكراه او اضطرار او نسيان او خطا او جهل، فيقال ان الحكم المترتب على الفعل الصادر عن المكلف حال الاختيار لا يترتب عليه حال العذر بأحد هذه الوجوه المذكورة في حديث الرفع.

الصورة الثانية: ان يكون رفع الحكم الوضعي خلاف الامتنان فلا يشمله حديث الرفع وبيان ذلك، انه ذكر في كتاب البيع ان المكلف اذا انشأ معاملة سواء كانت عقداً او ايقاعاً وانشأ هذه المعاملة لمحذور يخافه فتارة لا يرتفع المحذور الا بتحقق المنشأ في وعاء الاعتبار، و تارة بالعكس يتحقق المحذور بتحقق المنشأ في وعاء الاعتبار، فان كان من قبيل الأول كمن باع داره اضطراراً لدفع دينه فانه انما باع داره لمحذور يخاف منه وهو ثقل الدين، الا ان هذا المحذور انما يرتفع اذا تحقق المنشأ في وعاء الاعتبار يعني اذا تحققت المعاملة وهي البيع و نفذت فملك المشتري الدار، فانه اذا ملك المشتري الدار و استحق بائع الدار ثمنها ملك الاستطاعة التي بها يستطيع أداء دينه، فالمحذور الذي دفعه للمعاملة انما يرتفع بصحة المعاملة، و اذا كان المحذور انما يرتفع اذا صحت المعاملة فلا يعقل ان يشمل حديث الرفع هذه المعاملة، فيقال مقتضى حديث الرفع عدم صحّة هذه المعاملة،لان عدم تصحيحها إبقاء للمحذور على كاهل المكلف وهو خلاف الامتنان عليه، فمقتضى الامتنان في المقام عدم شمول حديث الرفع لهذه المعاملة ونفوذها بمقتضى الأدلة العامة للامضاء، كقوله عزوجل أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ، واوفوا بالعقود.

واما اذا كان المحذور مما يترتب على نفوذ المعاملة لا ان المحذور انما يرتفع بنفوذ المعاملة كما لو اُكره الانسان على بيع داره من غير رضاه، فان المحذور الذي يخاف منه هو انتقال داره الى الغير لأنّه غير راض بانتقال داره الى الغير، او ان امراة عقد عليها رجل كارهة لزواجها منه، فان المحذور الذي تخافه هو حصول علقة زوجية بينها وبين من تكرهه، فبما ان المحذور هنا مترتب على حصول المعاملة لذلك فتنفيذ هذه المعاملة احداث للمكروه على كاهل المكلف، وهذا مما لا ينسجم مع عناية الشارع وامتنانه على المكلف، فمقتضى حديث الرفع الوارد مورد الامتنان شموله لمثل هذه المعاملة ويترتب على ذلك عدم صحتها فهنا يرتفع الحكم الوضعي وهو الملكية والزوجية بشمول حديث الرفع لهذا المورد.

 الصورة الثالثة: ان يكون انتفاء الحكم الوضعي خلاف الامتنان، مثلاً من اتلف مال غيره خطأ او نسياناً او اضطراراً او جهلاً كما اذا اعتقد ان المال ماله فاتلفه فتبين انه مال الغير فهل يمكن ان يقال بارتفاع الضمان أي عدم اشتغال ذمته بقيمة مال الغير الذي اتلفه لأنّه اتلفه خطأ او نسياناً او جهلاً، ليس الامر كذلك، فان مقتضى ورود حديث الرفع مورد الامتنان على الامة، فإن مقتضى ورود حديث الرفع مورد الامتنان على الأمة عدم شموله للضمان في المقام لكونه خلاف الامتنان على صاحب المال فلا يرتفع بحديث الرفع.

وبعد عرض الصور الثلاث يأتي البحث في ان الرفع بالنسبة لفقرة ما لا يعلمون هل يشمل رفع الاحكام الوضعية حال الجهل ام يختص بالاحكام التكليفية، اذ قد يقال ان مقتضى سياق اشتراك الموضوعات في محمول واحد شمول الرفع للاحكام الوضعية كما هو كذلك في بقية الفقرات.

ولكن قد يشكل على ذلك بان شمول الرفع للاحكام الوضعية في بقية الفقرات ان كان بمقتضى اطلاق المحمول وهو الرفع فالمحمول واحد مشترك بين الفقرات فمقتضى اطلاقه شموله للاحكام الوضعية والتكليفية حتّى في فقرة ما لا يعلمون بلا حاجة للتمسك بقرينية اشتراك الموضوعات في محمول واحد وان كان الشمول ناشئاً عن قرينية الامتنان فالامر يدور مدار الامتنان، أي ان النكتة في الشمول سياق الامتنان لا سياق اشتراك الموضوعات في محمول واحد الذي عبرنا عنه بالسياق الاسنادي الذي هو نوع من السياق يختلف عن سياق الجملة الواحدة الذي سيأتي بيانه ان شاء الله.

المطلب الثالث: تحديد جهة المدلول

الاستفادة من الدلالة السياقية في تحديد جهة المدلول، وهو كونه صادر على سبيل الإرادة الجدية ام لا، و قد يمثل له بصحيحة البزنطي “عَنْ أَ بِي الْحَسَنِ ع “فِي الرَّجُلِ يُسْتَكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ- فَيَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ وَ صَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ- أَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ‌”.

ببيان انه كما انّ اشتراك الموضوعات في محمول واحد قرينة سياقية على نوع المراد الجدي من المحمول او قرينة سياقية على سعة المراد الجدي او ضيقه فكذلك اتحاد الموضوعات في محمول واحد قرينة سياقية على تحديد جهة المدلول اي جهة المراد من المحمول، و المثال المذكور في الصحيحة يشترك من حيث النكتة مع هذه الجهة حيثُ إنَّ جواب الإمام (عليه السلام)  مؤلف من كبرى وتطبيق للكبرى على مورد السؤال، وبما ان الكبرى والتطبيق مشتركان في جهة واحدة وهي الجواب عن السؤال فمقتضى ذلك اشتراكهما في الجهة، فاذا كان التطبيق واردا على سبيل التقية فكذلك نقل الكبرى ليس صادرا على سبيل الجد او فقل بان اشتمال التطبيق على التقية مانع من اجراء اصالة الجهة على الحكم المطبق على مورد السؤال.

ولكن قد يجاب عن ذلك بان اشتمال السياق على التقية او اشتمال السياق على مانع من جريان اصالة الجهة تارة يكون لعامل داخلي، واخرى لعامل خارجي، اي تارة يكون نفس الحديث حين صدوره محتفاً بارتكاز متشرعي على عدم نفوذ الحلف وان نفوذ الحلف انما هو عند العامة بحيث يكون صدور هذا الجواب من الإمام محفوفاً من اول الامر بما يمنع من جريان اصالة الجهة فيه لكونه موافقاً للعامة، فهنا يصح ان يقال بانّ احتفاف الرواية بارتكاز يمنع من جريان اصالة الجهة على التطبيق مانع من جريان اصالة الجهة في الحكم المطبق ايضاً، واما اذا افترضنا ان الرواية حين صدورها لم تكن محفوفة بهذا المرتكز ولكن لأجل معارضة هذه الرواية للراويات الاخرى الدالة على عدم نفوذ الحلف بالطلاق والعتاق وانه انما ينفذ عند العامة لا عند الامامية قلنا بعدم حجية تطبيق الكبرى على مورد السؤال لا لأن السياق مشتمل على التقية، ولا لأن السياق مانع من جريان أصالة الجهة في الكبرى المنقولة بل إنما ذلك لعامل خارجي وهو المعارضة بين تطبيق الكبرى في هذه الرواية والروايات الاخرى الدالة على عدم نفوذ الحلف، وهذا لا يشكل اقتضاءً من داخل السياق لمنع جريان اصالة الجهة في التطبيق كي يكون مانعاً من جريان اصالة الجهة في الحكم المطبق، بل غايته ان يقال تتعارض الروايتان، فنقدم الروايات الدالة على عدم نفوذ الحلف بالترجيح بمخالفة العامة، حيث ذكرنا في مفاد مقبولة عمرو بن حنظلة ان المستفاد منها ان مخالفة العامة مرجح لكون المخالف للعامة اقرب للواقع اما لخلل في صدور الموافق او لخلل في جهته او لكون الحكم المخالف للعامة مشتملاً على ملاك اهم من الحكم الموافق لهم، او لان نفس خلاف العامة ملاك موجب لتقديم المخالف على الموافق، ويجمع النكات كلها ان المخالف للعامة اقرب للواقع من الموافق، فمقتضى تقديم الروايات الاخرى على هذه الرواية هو عدم الاخذ بتطبيق الكبرى على مورد الرواية، الا ان هذا لا يمنع ان يكون الحكم المستفاد من الكبرى نفسه صادرا على سبيل الإرادة الجدية بمعنى ان الإمام (عليه السلام) حينما اخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) بصدور هذه الكبرى منه كان هذا الاخبار على سبيل الإرادة الجدية ومجرى لاصالة الجهة، وان لم يكن تطبيق هذه الكبرى على المورد مجرى لاصالة الجهة، فيفكك بين التطبيق و بين الكبرى المستشهد بها فيقال بان تطبيق الكبرى على مورد السؤال مشتمل على التقية بينما الكبرى المذكورة صادرة عن الإمام اخباراً جدياً عن الرسول (صلى الله عليه وآله) فلا ملازمة بين عدم الاخذ بالتطبيق و عدم الاخذ بالكبرى المطبقة.

هذا تمام الكلام في الصنف الأول وهو ما اذا اتحدت الموضوعات في محمولات شخصي.

الصنف الثاني:  ما اذا اتحدت الموضوعات في محمول واحد من حيث النوع

  كما لو وردت نواهي عديدة متعددة المحمولات شخصاً ولكنها متحدة نوعاً، كما لو قال المولى الغيبة كبيرة والكذب كبيرة والزنا كبيرة و عقوق الوالدين معصية، فهل يقتضي السياق وهو سياق اتحاد الموضوعات في نوع المحمول حمل الفقرة الأخيرة على الذنب الكبير ام لا ؟

والصحيح انه يأتي فيه التفصيل في الصنف السابق بين كون استفادة نوع المراد الجدي من نكتة متصلة كما في هذا المثال او نكتة منفصلة أي من قرينة خارجية، فان كان منشأ استفادة نوع المراد الجدي من نكتة متصلة كان السياق قرينة على تحديده في الفقرة المقصودة، وان كان منشأ ذلك نكتة منفصلة أي من خارج الدليل فلا سياق يدل على تحديد نوع المراد الجدي.

والمتلخص مما مضى من البحوث ان السياق أنواع:

منها سياق الخطاب وهو عبارة عن اشتراك مطالب في مجلس واحد، وقلنا بان غاية مفاده وجود جامع بين هذه المطالب، كاشتراكها في غرض واحد ولا يستفاد من السياق اكثر من ذلك.

ومنها سياق الكلام وهو عبارة عن اشتراك جمل في محتوى واحد معين، و غاية مفاده اشتراك هذه الجمل في وحده الكلام من مدح او ذم او وصف او نحوه، و لا يستفاد منه اكثر من ذلك.

 و منها سياق الاسناد وهو عبارة عن اشتراك موضوعات في محمول واحد او محمولات في موضوع واحد، و هو قرينة على تحديد أصل المراد الجدي من العنوان الواحد موضوعاً او محمولاً.

و اما تفاصيل المراد، و هي أربعة اقسام، نوع المراد الجدي، وسعة المراد الجدي ومصداق المراد الجدي و جهة المراد الجدي، فقد ذكرنا في ذلك تفصيلاً قد مضى وهو انه اذا كان نوع المراد الجدي مستفاداً من عامل داخلي كان السياق قرينة عليه، كما انه اذا كانت جهة المراد مستفادة من عامل داخلي كان السياق مانعا من اجراء اصالة الجهة في الفقرة المشكوكة.

 واما تحديد كون المراد الجدي ذا سعة او ضيق فتفصيله انه اذا كان السياق سياق ضيق كما اذا استفدنا من الفقرات من الموضوعات المتعددة ضيق المراد فسوف يكون هذا السياق مانعا من احراز سعة المراد الجدي في الفقرة المشكوكة.

 و اما لو كان السياق سياق سعة فغاية مفاده وجود جامع بين الموضوعات المتعددة لا انه قرينة على سعة المراد الجدي في الفقرة المشكوكة، و اما تحديد مصداق المراد الجدي فالسياق ليس من القرائن النوعية على تحديده، بل غاية السياق أصل المراد الجدي لا تحديد مصداقه.

 و هذه التفاصيل الأربعة كما يمكن تحصيلها من سياق الاسناد يمكن تحصيلها من سياق الخطاب او سياق الكلام، وانما ذكرناها في هذا القسم وهو قسم سياق الاسناد وفي هذا الصنف وهو اتحاد الموضوعات في محمول واحد بالشخص لانّ هذا النوع من السياق أوضح السياقات من حيث القرينية والتأثير على تحديد المراد الجدي والا فالبحث فيها اعم من هذا النوع من السياق.

النوع الرابع: سياق الجملة الواحدة

النوع الرابع من السياق سياق الجملة الواحدة المؤلفة من موضوع و محمول أي سياق اسناد المحمول للموضوع، فهل هذا السياق قرينة عرفية على تحديد ما هو المراد أم لا؟

و من أجل شرح تأثير هذا النوع من السياق على تحديد المعنى نتعرض لاقسام الدلالة، أي دلالة الجملة التركيبية فنقول ان الدلالة على نوعين:

النوع الأول:  الدلالة الكنائية وهي المبنية على ذكر اللازم وإرادة الملزوم او العكس بحيث يكون ما هو المراد بالاصالة هو المشار اليه واما ما هو المراد الاستعمالي من اللفظ فهو مجرد طريق و مشير لما هو المقصود كما في التعبير عن الكريم عند العرب بكثير الرماد.

 ومن الروايات المناسبة لذلك قوله (صلى الله عليه وآله)  ” يَا أَبَا ذَرٍّ يَكْفِيكَ الصَّعِيدُ عَشْرَ سِنِينَ‌” فانّ هذه الجملة ظاهرة عرفا في الدلالة الكنائية عن كون التراب طهوراً حيثُ إنَّ المقصود بالاصالة هو بيان طهورية التراب لا المراد الاستعمالي من اللفظ.

 النوع الثاني:الدلالة الصريحة وهي ما كان المراد الاستعمالي من اللفظ مراداً للمتكلم في الجملة، و هذه الدلالة هي محور الدلالة السياقية التي نبحث عنها في النوع الرابع من أنواع السياق فان المقصود بهذا النوع الدلالة الناشئة عن اسناد شخصي وهو اسناد المحمول للموضوع في جملة معينة، و هذه الدلالة قد تكتسب بعض المعاني من سياق عام، او من سياق خاص، او من سياق اخص، فهنا موارد ثلاثة:

المورد الأول: السياق العام

 وأوضح مصاديقه سياق الاطلاق وبيانه ان الاطلاق هو عبارة عن كون موضوع الحكم الطبيعي لا بشرط، واستفادة اللابشرطية على بعض المباني ناشئة عن نكتة سياقية عامة مثلاً في قوله تعالى “فتيمموا صعيدا طيبا” يدل على ان للصعيد اطلاقا يشمل اصنافه وكيفياته، وهذا الطلاق قد يدعى استفادته من العقل كما هو مبنى سيدنا الخوئي (قده) فيعد الاطلاق من قسم الدلالة العقلية بمعنى ان العقل يدرك بعد التفاته لتمامية مقدمات الحكمة ان المراد الجدي للمولى هو اللابشرط، وقد يدعى استفادته من اللفظ نفسه بمعنى ان نفس الانسناد الشخصي الخاص وهو جعل الحكم بتحصيل الطهارة على عنوان الطبيعي وهو الصعيد من دون قيد المستند الى سياق عدم نصب القرينة دال على ان الموضوع هو الطبيعي على نحو السريان.

 و كذلك قوله (عليه السلام) ” وَ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا”، فانه دال بالعموم المستفاد من قوله كلها على شمول الأرض لجميع أنواع الأراضي، ولكن المستفاد من اطلاق قوله الأرض شمول الحكم للأرض بجميع معادنها و كنوزها وما ينبت فيها، فالمدلول الثاني مستفاد من الاطلاق لا من العموم الاستغراقي.

 و قد يدعى ان منشأ استفادة الاطلاق هو سياق الكلام كما هو مسلك السيد الصدر (قده) أي ان سياق كل كلام صادر من شخص ملتفت ظاهر في ان المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بكلامه فما ذكره مراده له، وما لم يذكره ليس بمراد له، والنتيجة ان مراده طبيعي الصعيد لا بقيد، فاستفادة الاطلاق على هذا المبنى في أي جملة مرتكزة على سياق عام في أي خطاب وهو سياق كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بكلامه.

المورد الثاني: السياق الخاص

 قد ذكرنا سابقاً انه قد تتراكم في الجملة الواحدة دلالات سياقية حيثُ إنَّ سياق الخطاب قد ينعكس على الكلام، و سياق الكلام قد ينعكس على الجملة الواحدة، ففي الجملة الواحدة قد تجتمع عدة دلالات سياقية، مثلاً آية نفي الحرج، وهي قوله عزوجل ” مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَج “، قد استفاد منها مشهور الفقهاء نفي الحكم الحرجي، فلو كان الوضوء حرجياً او الحج حرجياً فان وجوبه يرتفع بهذه الآية.

 و لكن هذه الجملة وهي قوله عزوجل ”  مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَج ” ليست منفصلة عن سياق الكلام الذي وردت فيه، لذلك لابد من قراءة سياق الكلام فان استظهرنا انه سياق التشريع تم ما استفاده المشهور حيثُ إنَّ من شؤون التشريع نفي الحكم الحرجي، و ان استظهرنا ما افاده سيد المنتقى (قده) في ج 4 ص 345 من ان سياق الكلام في بيان وظائف حرجية بطبعها كالجهاد حيث قال تعالى “وجاهدوا في الله حق جهاده” و من الواضح ان الجهاد حرجي سواء كان جهاد الكفر او النفس وما كان بطبعه حرجيا فلا معنى لرفعه بنفي الحرج، لان ذلك مستلزم لرفعه من اصله لا لرفع اطلاقه مما يؤكد ان المقصود بالآية ان الغرض من طلب هذه الوظائف من المكلف ليس هو إيقاع المكلفين في الحرج وانما الغرض من ذلك تحصيل كمالات مهمة، كما قال تعالى “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” او قوله عزوجل “مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ“، او فقل ان السياق الخاص بهذه الآیات وارد في مقام بيان ان الشريعة سهلة سمحاء لم تبن على الضيق والعسر.

وقد يمثل للسياق الخاص بسياق الامتنان كما في حديث رفع عن امتي تسع و حديث رفع القلم، و لكن هل ان التمثيل في محله ام لا ؟

 اما بالنسبة للمثال الأول وهو حديث رفع التسعة فالامتنان فيه سياقي مستفاد من كلمة “امتي” وبالتالي فبالنسبة للاسناد الشخصي في فقرة “ما لا يعلمون” حيث اسند الرفع الى ما لا يعلمون لو تأملنا في ان الرفع هل يشمل الاحكام الندبية ام يختص بالاحكام الالزامية فيصح ان يقال ان مقتضى ورود الفقرة في سياق الامتنان عدم رفع الامر الندبي لعدم انسجام ذلك مع ورودها في مقام الامتنان.

واما بالنسبة للمثال الثاني وهو قوله (صلى الله عليه وآله) ” رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَ عَنِ الطِّفْلِ حَتَّى يَبْلُغَ “، فان الامتنان فيه ملاكي لا سياقي بمعنى ان نكتة الامتنان ليست مستفادة من سياق سابق عام او خاص وانما هي مستفادة من نفس الاسناد أي اسناد رفع القلم لعنوان الصبي حيثُ إنَّ مقتضى المناسبة بينهما استفادة ان الامتنان احد ملاكات الرفع وهذا مثال للسياق الاخص الذي سيأتي بيانه وليس بيانا للسياق الخاص.

المورد الثالث: السياق الأخص

وهو سياق الجملة الواحدة المتضمنة لاسناد المحمول للموضوع وهو على صنفين اذ تارة يكون السياق مستفاداً من ضميمة لا من الاسناد نفسه كما في فرض وقوع الجملة جوابا عن سؤال معين، فان وقوعها جوابا عن السؤال يشكل سياقا في تحديد معنى الجواب ولكنه ليس من سياق الاسناد نفسه.

 ومن هذا القبيل موثق عبد الأعلى مولى ال سام في الوسائل باب 39 من أبواب الوضوء حديث 5  “قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِي فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ قَالَ يُعْرَفُ هَذَا وَ أَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ اللَّهُ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امْسَحْ عَلَيْهِ.” فان الملاحظ في هذه الموثقة انه لما كان السؤال عن وجوب المسح على البشرة مع وجود المرارة كان ذلك السياق قرينة على كون مفاد “ما جعل عليكم في الدين من حرج” نفي الحكم الحرجي وهو رفع وجوب المسح على البشرة.

وتارة تنشأ الدلالة السياقية فيه من نفس اسناد المحمول للموضوع وهذا له صور عديدة وقع بعضها محل بحث في حجيته و عدمها للاختلاف انه من سنخ الظهور الذي هو موضوع للحجية ام لا:

الصورة الأولى: الدلالة الايحائية

والمقصود بالايحاء كما يستفاد من موارد استعماله لغة نحو  “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ ” و “فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّ” الدلالة الرمزية، أي استعمال الموحي شفرة من قول او فعل او إشارة ترمز لمعنى معين، و يسمى ذلك ايحاءً مقابل الدلالة المباشرة من دون ترميز، ولذلك فان الإيحاء خاص فيما بين المتكلم والمخاطب أي الموحي والموحى اليه، بينما الدلالة المباشرة عامة.

فمن هذا القبيل استخدام بعض الرواة لفظ عبد صالح في قوله سألت عبدا صالحا للإشارة للامام الكاظم (عليه السلام) واستخدام بعض الروايات ولد سابع ترميزا لبني العباس كما في رواية ابن صبيح الكاهلي الوسائل ج 12 ص 180 حديث 9 و من قبيل لفظ الناس في الروايات للإشارة للعامة نحو ” وَ النَّاسُ سَوَادٌ وَ أَنْتُمُ الْحَاجُّ”.

 و اذا اتضح ذلك فان الدلالة السياقية قد تتصف بكونها ايحائية اذا كانت معتمدة على لغة الترميز وهذا لا يختص بالسياق الأخص وان ذكرناه في السياق الأخص، بل يأتي في الأقسام الأخرى فمن الدلالة السياقية الايحائية ما اذا كان المحمول الخاص مما لم يعهد لدى المرتكز المتشرعي ثبوته للموضوع مما يوحي بعدم صدوره عن إرادة جدية، نحو ما ورد ” الْفِطْرُ يَوْمُ يُفْطِرُ النَّاسُ وَ الْأَضْحَى يَوْمُ يُضَحِّي النَّاسُ وَ الصَّوْمُ يَوْمُ يَصُومُ النَّاسُ”، و ما ورد في الصلاة خلف العامة من ” مَنْ صَلَّى مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ كَانَ كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ص”، فان عدم معهودية مثل هذا الاسناد لدى المرتكز المتشرعي ايحاء بوروده في سياق التقية او المداراة وقد وقع الكلام في ان الإيحاء حجة ام لا، حيثُ إنَّ موضوع الحجية هو الظهور فهل الإيحاء درجة من الظهور ام لا ؟

 والانصاف انه ان لم يكن الإيحاء والترميز قرينة فلا اقل من كونه مانعا من جريان اصالة التطابق بين المرادين الاستعمالي والجدي.

 

الصورة الثانية: التناسب

المعبر عنه في بعض الكلمات بقرينة مناسبة الحكم للموضوع، وهو عبارة عن استكشاف مناط الحكم من المقارنة بين المحمول والموضوع بضميمة قرينة اخرى.

 و بيان ذلك ان استفادة مناط الحكم على انحاء:

النحو الاول: ان يكون الحكم مصوغا بذكر مناطه مباشرة كما في موثق بكير ابن اعين “قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ قَالَ هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ حِينَ يَشُكُّ”، حيث صيغ الحكم بذكر المناط بشكل مباشر من دون ان يفكك بين ذكر الحكم و ذكر مناطه، اذ المستفاد من الجملة ان المناط في البناء على الصحّة عند الشك بعد الفراغ من العمل هو الاذكرية حين العمل، ولكن هذا ليس من سنخ الدلالة السياقية.

النحو الثاني: ان يذكر الحكم معلقا على عنوان معين، و يكون التعليق قرينة على ان العنوان مناط الحكم، كما في قوله (عليه السلام) ” وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا”، فان ظاهر تعليق الامر بالرجوع على عنوان الرواة ان المناط في الرجوع للفقيه في الوقائع المستجدة كونه راوياً بحيث لو كان حكمه في الواقعة غير مستندا لجهة روايته عن المعصوم (عليه السلام) لم يكن حجة، وهذا أيضاً ليس من سنخ الدلالة السياقية.

النحو الثالث: ان يستفاد مناط الحكم من اسناد الموضوع للمحمول بضميمة قرينة لفظية او ارتكازية، وبذلك يكون المورد من صغريات الدلالة السياقية لان الدلالة السياقية جامع بين عدة مداليل، كما سبق تعرفيها في اول البحث، فلكي يتحقق ذلك لابد من توفر اكثر من قرينة في هذا الاسناد الواحد لكي يتحصل من الجامع بين هذه القرائن مدلول سياقي نعبر عنه بالتناسب او مناسبة الحكم للموضوع، فمثلاً حديث رفع القلم وهو قوله “رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَ عَنِ الطِّفْلِ حَتَّى يَبْلُغَ” فهنا قد يقال لو لم يكن عندنا ذكر للمجنون والنائم بل اقتصر الحديث على هذا العنوان وهو رفع القلم عن الصبي فقد يقال حينئذٍ بان هذا من موارد استكشاف مناط الحكم من دلالةٍ سياقيةٍ وهي مناسبة الحكم للموضوع، حيثُ إنَّ هنا عدة قرائن:

القرينة الاولى تعدية الرفع بـ “عن” اذ قال رفع القلم عن، وظاهر تعدية الرفع بـ “عن” ان في الرفع تخفيفا على الصبي.

 القرينة الثانية ان المرتكز العرفي اذا تلقى مثل هذا الخطاب يستظهر ان المناط في الرفع هو ضعف الصبي.

القرينة الثالثة صدور هذا الرفع من المشرع الرحيم.

 و بمجموع هذه القرائن يتشكل جامع وهو عبارة عن كون الرفع رفعاً امتنانياً فاستفادة كون الرفع رفعا امتنانياً جائت من سياق اسناد المحمول للموضوع،ولكن لا على نحو العلة المنحصرة بل بمجموع هذه القرائن المتوافرة تشكل هذا الجامع بين هذه المداليل المختلفة فاصبحت صغرى للسياق الاخص، وهو سياق اسناد المحمول للموضوع.

نعم ان الامتنان في رفع القلم عن الصبي امتنان ملاكي، بمعنى ان غاية ما يستفاد من ذلك ان الامتنان احد ملاكات الرفع، والا فالحديث مطلق لرفع القلم حتّى عن الصبي المميز الذي لا يفصله عن البالغ الا بضع ساعات فهنا يكون الرفع بالنسبة اليه امتنانياً، واما رفع القلم عن الصبي غير المميز فانه عقلي وليس امتنانياً اذ مقتضى حكم العقل قبح تكليف من لم يميز.

وبناءً على ذلك فلا شمول لحديث رفع القلم لبعض الاحكام التي يكون رفعها خلاف الامتنان فان رفع استحقاق الصبي للاجرة او الجُعل على عمله كما لو آجر الصبي نفسه لعمل او دخل في جعالة فأتى بالعمل، فلو قلنا بان حديث رفع القلم يشمل مطلق قلم التشريع بحيث يعامل الصبي معاملة البهائم في لوح التشريع فلا يثبت له ولا عليه حكم من الاحكام فان ذلك لا اطلاق له للرفع الذي يكون خلاف الامتان على الصبي فان رفع استحقاق الصبي للاجرة او الجعل على عمله خلاف الامتنان.

ومن امثلة المورد الاستدلال بقوله تعالى ” لاَ یَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِینَ ” على عصمة الإمام المعصوم، حيثُ إنَّ سياق اسناد المحمول للموضوع في الآية دال على ان المناط في العهد هو العصمة وذلك بلحاظ امرين:

الامر الاول ان سياق الآية هو الحديث عن الامامة وما يليق بها ” قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ “.

الامر الثاني ان المرتكز العقلائي قائم على خطورة هذا المنصب، فلا يليق به كل من تلبس بالخير والصلاح، فاذا ضمننا لذلك القرينة اللفظية وهي قوله “عهدي” الظاهر في ان الإمامة موقع جليل مهم عبّر عنه المولى بعهدي، فان المجموع من ذلك يشكل قرينة سياقية على تميز المتحلي بهذا المنصب عن بقية البشر، ومقتضى هذا التميز التناسب بين منصب الامامة وبين صفات المتقلد لهذا المنصب، وهذا يقتضي عدم اهلية من صدر منه ذنب ولو لمرة واحدة في حياته لهذا المنصب العظيم، والنتيجة هي اعتبار العصمة في الامامة.

الصورة الثالثة الاشعار

  والمقصود به النكتة التي لا يستظهرها الذهن العرفي بدواً من لسان الدليل وانما يستظهرها بعد التأمل بحيث لو نُبه العرف عليها لاستحسنها.

ومن هذا القبيل ما ورد الارشاد اليه في الروايات نحو صحيح زُرَارَةَ “قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَ لَا تُخْبِرُنِي مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ وَ قُلْتَ إِنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ ” فقال له ” فَعَرَفْنَا حِينَ قَالَ- بِرُؤُسِكُمْ أَنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ لِمَكَانِ الْبَاءِ ” مقارنة  مع قوله فاغسلوا وجوهكم، فاستفادة البعضية من الباء مما لا يتناولها الذهن العرفي ولكن اذا نُبه العرف على هذا النوع من المداليل يراه في محله، و هذا ما يعبر عنه بدلالة الاشعار.

ومن موارده، الاشعار بالعلية، حيثُ إنَّ العلية للحكم بمعنى تحديد موضوعه تارة تستفاد من الدليل بالصراحة كما في صحيح علي بن مهزيار ” لَا يَقْضِي الصَّوْمَ وَ لَا الصَّلَاةَ وَ كُلُّ مَا غَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ‌” وكما في قوله (عليه السلام) ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يُحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَكِنَّهُ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا فَمَا كَانَ عَاقِبَتُهُ عَاقِبَةَ الْخَمْرِ فَهُوَ خَمْرٌ”

وتارة تستفاد العلية بالظهور الاولي كما في رواية مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ” وَ كَانَ حِينَ انْصَرَفَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ”.

الظاهر في ان موضوع الحكم بالصحة عند الشك بعد الفراغ من العمل هو الاذكرية حين العمل.

وتارة تستفاد العلية من المفهوم لا من المنطوق كما في الرواية الواردة في السنجاب “فانه دابة لا تأكل اللحم” حيثُ إنَّ مفهومها ان موضوع مانعية ما يلبسه المصلي من صحّة صلاته ان يكون الساتر متخذاً من حيوان آكل للحوم، او ما يعبر عنه في الروايات الاخرى بالسبع.

وتارة تستفاد العلية بالاشعار وهذا هو محل الكلام والمقصود بالاشعار تصيد نكتة العلية من العنوان المذكور في الرواية، مثلاً قوله (صلى الله عليه وآله) ” عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ‌”، حيث بحث في محله هل ان موضوع الضمان والحرمة التكليفية في هذا الحديث هو الاخذ الحسيّ او مطلق ما يصدق عليه عرفا انه استيلاء و عدوان، اذ قد يتمسك بالظاهر الاولي للفظ الاخذ في استفادة الاخذ الحسي، ولكن يقال بما ان سياق الجملة سياق التحميل والمؤاخذة المستفاد من كلمة “على” فهذا قرينة على ان الاخذ الماخوذ مناطا و موضوعا للتحميل والضمان ليس هو خصوص الاستيلاء الحسي بل ما يصدق عليه عرفا انه عدوان، سواء كان استيلاءً حسياً او حبساً او استيفاءً، فمثلاً لو كان هناك اجير خاص قد ملك المستأجر جميع منافعه من اول الصباح الى الغروب فاستوفى شخص اجنبي منه بعض المنافع، فان استيفاء بعض المنافع من الاجير وان كان عن اختيار من الاجير الا انه مصداق من مصاديق العدوان على ملك الغير حيثُ إنَّ جميع منافع الاجير الخاص ملك للمستأجر فيقال هنا بان اخذ الشخص الاجنبي لبعض منافعه مضمون بمقتضى اطلاق قوله على اليد ما اخذت حتّى تؤدي.

الصورة الرابعة: التنبيه والاشارة

 وهي عبارة عن تضمن الجملة الواحدة او الاسناد الواحد لفظا او فعلا مانعا من اجراء اصالة الجد او اصالة التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدي.

 ومن مصاديق ذلك موارد الاعراض عن مورد السؤال او حذف بعض الجواب مثلاً في رواية عبيد ابن زرارة الوسائل ج 20 ص 380 باب 2 من ابواب ما يحرم من الرضاع حديث 18  ” كَانَ يُقَالُ عَشْرُ رَضَعَاتٍ قُلْتُ فَهَلْ يُحَرِّمُ عَشْرُ رَضَعَاتٍ فَقَالَ دَعْ ذَا وَ قَالَ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ فَهُوَ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ”

فان قوله دع ذا لفظ مانع من اجراء اصالة التطابق على ما سبق ذكره.

ومن الامثلة موثق اسحاق بن عمار في وسائل الشيعة؛ ج‌11، ص: 304

“فَإِنَّهُ دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ- قَالَ كَانَ أَبِي مُجَاوِراً هَاهُنَا فَخَرَجَ- يَتَلَقَّى بَعْضَ هَؤُلَاءِ فَلَمَّا رَجَعَ- فَبَلَغَ ذَاتَ عِرْقٍ أَحْرَمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ بِالْحَجِّ- وَ دَخَلَ وَ هُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ”

وقد تعرض السيد الخوئي (قده) لمفاد هذه الرواية في ج 27 ص 201 واحتمل ان الإمام (عليه السلام) اعرض عن جواب السؤال لأجل التقية، فهذا النوع من الاعراض سياق محقق لصورة من صور سياق الجملة الواحدة وهو سياق التنبيه والاشارة.

ومن الامثل على ذلك ما ورد في البيع الربوي ” سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنِ الْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ يَداً بِيَدٍ وَ نَسِيئَةً فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ إِذَا سَمَّيْتَ بِالْأَسْنَانِ جَذَعَيْنِ أَوْ ثَنِيَّيْنِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَخَطَطْتُ عَلَى النَّسِيئَةِ”.

والمتلخص من جميع ذلك انّ سياق الجملة الواحدة الذي هو النوع الرابع من انواع السياق قد يستند هذا السياق لنكتة عامة كنكتة الاطلاق، وقد يستند لنكتة خاصة وهي النكتة المتسفادة من سياق الكلام المنعكس على الجملة الواحدة، وقد يستند الى نكتة اخص وهي النكتة المتوفرة في نفس الجملة الواحدة.

 والنكتة الاخص قد تكون بضميمة امر خارج عن ذات الجملة كما اذا وقعت الجملة الواحدة جوابا عن سؤال،  وقد تكون لعامل داخلي في نفس الجملة، و هذا ما يتنوع الى اربع صور: سياق الاحياء، وسياق التناسب، وسياق الاشعار، وسياق التنبيه.

تمَّ الكلام في الدلالة السياقية وهو ما لم يبحث في الاصول بالشكل المفصّل

والحمد لله أولاً واخراً

 

 

 

 

[1] وسائل الشيعة، ج‌11، ص: 197‌

 



التعليقات

إرسال تعليقاتكم واقتراحاتكم

أسمك الكريم:

بريدك الإلكتروني:

رسالتك: